وَنس

خاطرة للكاتب أ. مجدي نصار

إلى الله، قبل كل شيء، على الوجود والتجربة، على العقل إذ يقبل التطور، على الوجدان إذ لولاه لكنا جمادًا ساكنًا. إلى الأفواه التي تنطق حلو الكلام، والأيادي التي تمد العون ما استطاعت. إلى قلوب الطيبين، إلى الطيبين كلهم، الذين صادفناهم فلفحتنا طيبتهم والذين لم تحاوطنا حلقات طيبتهم لكنها استدارت حول آخرين، يعادلوننا في احتياجنا للتعاطف أو يزيدون. إلى كل شعور دافىء سرى في الأوصال مرة فأزاح برد الجفاء، وكل كلمة طيبة كانت نسيمًا رطّب الشعور بالقهر. إلى كل نهار أسعف ليلًا حزينًا باكيًا، إلى الله إذ كوّر ذاك النهار على الليل، وإلى الذين طرقوا باب المأساة حينئذ متعجلين بزوغ الفجر، إلى تلك الطمأنينة المبكرة التي أذعن النهار لتوسلها فجاء من فوره. إلى الليل الباكي نفسه إذ يرضخ ويزول. إلى كل معلم منحنا العلم من قلبه ثم عقله، إلى كل بيت شعر جميل، صار مبدأ وأدرج نفسه في سطور العقيدة، إلى كل مشهد تمثيلي زرع حكمة في وادي الروح الطيب، إلى الحكمة وأصحابها إذ يحبون ويمنحون ويرحمون غير مكترثين للجهل إذ يقذفهم بحجارته في كل حين، جيئة وذهابًا. إلى العلم الذي ينتقم للحكمة على الدوام، ويتصدى للانغلاق والتعتيم. إلى النور والضياء وإلى الشمس والقمر والمصابيح، رفقاء المسير. إلى الذين في قلوبهم نورًا وفي عقولهم أيضًا. إلى كل مقطع موسيقى حصّن الكلام وزينه، إلى الموسيقى إذ لولاها لاعترى إيقاع الحياة نقصًا لا يمكن تعويضه. إلى صانع الجمال وموجده، إلى الله العظيم، إلى كل صفح جميل وكل صبر جميل، إلى الهجر الجميل الذي أبى أن يترك غُصة في النفس. إلى الجمال، وإلى كل جميل، حي كان أو غير حي. إلى الفلسفة إذ تبحث عن هذا الجمال. إلى كل شعور جميل، إلى الأمل، والحب، والرحمة والمودة، وإلى الطمأنينة والأمان. إلى السلام والعدل. إلى كل (أنا معك) قيلت وقت أن تخلى الكثيرون. إلى كل (لا تخف)، ترامت إلى القلب قبل الأذن، حين تآمرت كل المخيفات، إلى كل (أنت بخير) هزمت يأسًا، وإلى كل (نحن نحتاجك) أعادت الثقة قبل أن تضيع بين مخالب اليأس اللعين. إلى كل من عاملونا كما تفعل الأمهات مع أبنائهن، يحبوننا بلا مقابل، يحرصون علينا نحن لا على المواقف أو المظاهر، يغفرون ويحتوون، يسبقوننا إلى الخطر، إلى المرض، إلى الموت. إلى كل من هم في تعاطيهم، مع أنفسهم ومعنا ومع الجميع، يسمعون كلام الله. إلى الله بعد كل شىء، كما هو قبل كل شيء .... 

إلى الله الشكر الطيب 

وإلى كل جميل خلقه الله امتنانًا كبيرًا.