Filtra per genere
خواطر إسلامية يأخذك في رحلة عميقة داخل القيم والتعاليم الإسلامية، حيث يستعرض مواضيع متنوعة تتناول جوانب مختلفة من الحياة الدينية والتطبيق العملي للقيم الإسلامية.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
- 81 - رحلة اليقين (35) - صح النوم - د. إياد قنيبي
لو سألتَ أتباعَ خُرافةِ التَّطوُّر: ما أوضحُ أمثلةِ التَّطوُّر عندكم؟
لقالوا لك: تطوُّر الحيتان
يقولون: العظامُ الخلفيَّةُ في الحوت؛ ففي مؤخِّرة الحوت عَظْمَتان لا فائدة لهما، فواضحٌ أنَّهما بقايا عظام حوضٍ ورِجلين لحيوانٍ بريٍّ عاش قبل (52) مليون سنةً، ثم حصلت له طفَراتٌ عشوائيّةٌ وانتخابٌ طبيعيٌّ إلى أن تحوَّل إلى الحوت الذي نراه، وبقيت هاتان العظمتان شاهدتَيْن على الصُّدَفِيَّة واللاقَصديَّة، فلو كان اللهُ قد خَلَقَ الكائنات، فلماذا يضعُ في الحوت عظامًا بلا فائدةٍ؟!
ولعلَّ أوَّل مَن وَصفَ هذه العِظام أنَّها بلا فائدةٍ كتاب (Biology by Curtis and Barnes) عام (1989) قائلًا أَنَّها: "useless vestiges" أي: (بقايا أثريّةٌ بلا فائدةٍ)، ثُمَّ تَبِعَهُ على وَصْفِ هذه العِظام أَنَّها (بقايا بلا فائدةٍ) معظمُ إن لم يكن كُلُّ كُتبِ عِلم الأحياء في الجامعات الغربيَّة، والمُعْتَمَدةِ كذلك في الجامعات العربيَّة، مثل كتاب (Glencoe Biology) وكتاب (Modern Biology) وكتاب (Biology By Raven and Johnson) وغيرُها، وغيرُها.
ولا تكاد تستمِع لأحدِ عَرَّابي الخُرافة إلَّا ويَتكلُّم عن هذه العِظام مُنتشيًا كدليلٍ على التَّطوُّر، مثل (جيري كوين): [لدينا أعضاءٌ كثيرةٌ فاقدةٌ للوظيفة، والتي لا يمكن تفسيرها إلا من خلال التطوُّر، وهذا أحدها، إذا نظرت إلى الهيكل العظميِّ للحوت في متحف التاريخ الطبيعيِّ، سترى عظمتيّ الأرجل هاتَيْن، لماذا هي موجودةٌ؟ لا يبدو أنَّ لها أيَّةَ وظيفةٍ] و(ريتشارد دوكنز): [الغريب أنَّك إذا نظرت بعمقٍ داخل الحوت، فستجد أعضاءً بلا فائدةِ، آثارًا لأرجلٍ خلفيَّةٍ، وهي عظامٌ صغيرةٌ تشكِّل بقايا أرجلٍ خلفيَّةٍ لأسلاف الحيتان، كانت تستخدمها للمشي].
ثمَّ ماذا حصل؟
معقولٌ؟! أيْ لها فائدةٌ؟ ليس فائدةً فقط، بل لا بُدَّ منها للتكاثر، ولولاها لما وُجِدت هذه الحيتان حتى قال هذا الموقع [USC New]: (دراسةٌ حديثةٌ قَلبَتْ مُعتقدًا تطوُّرِيًّا عريقًا رأسًا على عقِب، بإثباتها أنَّ عظام الحوض لها دورٌ مهمٌ في التَّزاوُج) وهذا موقع (Smithsonian) المتعصِّب جدًّا للخُرافة يُعَنْوِن: "الحيتان تستفيد مِن عظام حَوضِها".
حسنًا ممتازٌ هل اعترفَتْ هذه المواقع إذَنْ بأنَّ هذا يُضعِف خُرافةَ التَّطوُّر، بعد انهيار دليلٍ كانوا يُعوِّلون عليه كثيرًا؟
لا، بلا شكٍّ! بل حَشَرَتْ كلماتٍ تطوُّريَّة: تطوُّريٌّ "evolutionary"، وتَطوَّر "evolved" في مَطْلع مقالاتِها، وعَزَتْ للتَّطوُّر الفضلَ في هذه العظام ووظيفتها.
ومع ذلك، نحبُّ أنَّ نقول لهذه المواقع الكثيرة الَّتي نشرَت الخبَ، فالورقةُ العِلميَّة لمجلَّة إيفولوشن (Evolution)، الّتي أثارت هذه الضَّجّة لم يكن موضوعُها إثباتَ أنَّ عظامَ الحوض أساسيَّةٌ في التَّزاوج، بَلْ هذه حقيقةٌ مسلَّمٌ بها معروفةٌ مُنذ القِدَم، كما يتَّضِحُ مِن مقدَّمات هذه الورقة.
مقدمة الورقة العلمية تَنُصُّ على أنَّ كثيرين توهَّموا أنَّ هذه العِظام بلا فائدةٍ، وأنَّ ذلك ليس صحيحًا؛ لأنَّها مُهِمةٌ للتَّزاوج وبدأوا يشرحون أهمِّيتها المعروفةَ أصلًا للتَّزاوُج، وأسماءَ أبحاثٍ علميَّةٍ، (11) بحثًا علميًّا تُفصِّل في هذه الأهميَّة، ووضع الباحثون رسمًا يبيِّن ارتباط هذه العظام بالأعضاء التّناسليَّة في الحيتان.
...................
عام (2018) أي قبل شهورٍ أو أسابيع من الآن فقط أصدرت الطَّبعة الخامسة من كتاب (Essentials of Biology) مِن مطبوعات (ماك جرو هيلز) "McGraw-Hill’s" العالميَّة المعروفة، وللأمانة لم يُكرِّروا نَفس الكِذبة، كفى، فرائحتُها قد فاحَتْ، فماذا فعلوا؟ هل اعترف المؤلِّفون بأنَّ هذهِ العِظام أساسيَّةٌ لبقاءِ الحيتان،
وتجدُ كتابَ الـ (2018) يكرَّرُ كِذبةً أُخرى عن البُرُوزات في مؤخِّرة الأَفاعي، فيدَّعي أنَّها بقايا تطوُّرِيَّةٌ بلا فائدةٍ، بقايا لأرجلِ كائنٍ رباعيِّ الأطراف تطوَّرَت عنه الأفاعي، نفسُ الكِذبة التي تُكرِّرها كتبٌ أخرى مُعتمدةٌ، مع أَنَّه مُكتَشَفٌ أيضًا منذ (40) عامًا على الأقلِّ، في أبحاثٍ عِلمِيَّةٍ منشورةٍ أنَّ هذه البُروزات: خطَّافاتٌ أو سبيرز "spurs" تساعدُ الأفاعي أثناء التَّزاوج وفي الصِّراع بين الذُّكور، وليست أَرجُلًا بلا فائدةٍ، كما يروِّج مُحتَقِرو عُقول النَّاس.
ربَّما علينا أنْ ننتظرَ (130) سنةً أخرى؛ لتُخبِّئَ الكتب هذه الكِذبة، وتطوي صفحتَها، ريثما تكون قد اكتشفتْ كِذْباتٍ جديدةً تُبقي الخرافةَ معلَّقةً على جُسورها فلا تسقط، وهكذا يَبحثُ أتباعُ الخرافة عن أيِّ بروزٍ في أيِّ كائنٍ ليقولوا: "بقايا تطوُّرِيَّةٌ بلا فائدةٍ".
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 23min - 80 - رحلة اليقين (34) - الكوكتيل: سؤال أتباع خرافة التطور: لماذا يخلق الله طيورا بأجنحة لا تطير؟ - د. إياد قنيبي
وانظروا إخواني كيف أنّ ما يجعل منه البعض شُبهةً يَتحوّل بالعِلم إلى دليلٍ جديدٍ على عظمة الله تعالى؛ رأينا ذلك في شبكيّة العين وغيرها -الحلقةَ الماضيةَ-، وها نحن نراه في جناحي البطريق الذي اتّخذ منه أتباع الخُرافة شُبهةً وهو مليءٌ بآيات العَظَمة، والحِكمة، والقُدرة.
ماذا عن النّعام؟
لديه أجنحةٌ ولا يَطير أيضًا، كلِّفْ نفسك أيّها السّائل أن تتابع برنامجًا وثائقيًا لترى هذا الطّائر الذي تصل سرعته إلى (80) كيلومترًا في الساعة كيف يَستخدم أجنحته كمَكابح لتخفيف سرعته، والدّوران المُفاجئ أثناء المطاردات، أو الهربَ من الافتراس، كيف يَستخدم أجنِحته لتخويف الحيوانات التي تعتدي على بيوضه، وللاستعراض عند التّزاوج، وغيرِها، وغيرها..
-----------------------------------
ثمّ عُد بعد ذلك كلِّه واسمعهم يقولون...
: [فالآن، الخَلْقَويُّ أو التّكوينيُّ لا يستطيع أن يفسِّر لنا، لماذا هذه الطُّيور لها أجنحةٌ ولا تطير؟]
بالإضافة إلى هذا كلِّه إخواني لاحِظوا مغالطةَ (الاستدلال الدّائريِّ) في الحديث عن أجنِحة الطّيور؛ الاستدلال الدّائريُّ مغالطةٌ معروفةٌ في عِلم المغالطات المنطقيَّة، يجعل فيها المدّعي برهانه مِن نفس الدّعوى التي يُريد بَرْهَنتَها، أي أنَّ الدَّعوى هي نفسُها النّتيجة.
حين يقولُ هؤلاء أنّ هذه الأجنحة بلا فائدةٍ، ما الذي يجعلكم تحكمون أنّها بفائدةٍ أو بلا فائدةٍ؟
سيقولون: مساعدتُها للحيوان على البقاء، حسب مفهوم الانتخاب الطبيعيِّ، هذه الأجنحة لا تساعد الحيوان، وبالتّالي فليس لها فائدةٌ، وبالتّالي فقد جاءت بها الصُّدف العمياء، لا بتصميمٍ حكيمٍ.
-----------------------------------
قال ليَ البطريق: حتى أعيش في الأجواء القطبيّة شديدة البرودة فإن جسمي مليءٌ بالدُّهون، وحتى أحافظ على هذه الدُّهون فلا بُدَّ لي مِن أنْ أنزل في الماء لأصطاد.
لكن يا بطريق، كيف تستطيع أن تنزل بجسمك المليء بالشُّحوم والتي ستجعلكَ تطفو على الماء؟
أجابني: أرأيت هذه الأجنحة التي قالوا أنّها بلا فائدةٍ؟
تعال نر ماذا أصنع بها، انظُر إليّ وأنا أضربُ بها الماء فأغوصُ بسرعةٍ عاليةٍ عميقًا عميقًا في البحر، تمامًا كما الطّائرِ في جوِّ السّماء، انظر إليّ وأنا أستخدم أجنحتي لأتوجّه يَمنةً ويَسرًة كما أريد..
لكنْ، كيف استطعت أن تَخرجَ من الماء بهذه السّرعة الصّاروخيّة؟
أجابني البطريق: أرأيت هذه الأجنحة نفسها التي زعموا أنّها بلا فائدة؟
إنّها مصمَّمةٌ بشكلٍ عجيبٍ؛ انظر إليّ ماذا سأفعل، سأصعد لأسبحَ وأتقلّب عند سطح البحر أوّلًا، أتدري لماذا؟ لأملأ ريش أجنحتي بفُقاعات الهواء، يساعدها على ذلك أنّ لديّ غُددًا تُفرز عليها مادّةً دهنيّة عازلَةً للماء، انظر إلى فُقاعات الهواء وهي تَتجمّع بين الرّيش.
ثُمّ سأنزل في الماء مرة أخرى حتّى يقومَ الماء بضغْطِ أجنحتي وما حَوَته من هذه الفُقاعات، وهذا يقلِّل كثافة جسمي، فالآن أستطيع أن أصعد إلى سطح البحر بسرعةٍ هائلةٍ مطلقًا فُقاعات الهواء كأنِّي طائرةٌ نفّاثةٌ.
وهذه الفُقاعات تُقلِّل احتكاك جسمي بالماء فتُسهِّل خروجي، فبأجنحتي نزَلتُ لأكسب عيْشي، وبأجنحتي أصعد.، ولولا أجنحتي التي زعموا أنّها بلا فائدةٍ لما عِشت أصلًا!
{هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلالٍ مبين}
يعني افتَرَضوا أنّ خُرافة التّطوُّر صحيحةٌ، وبالتّالي فمِعيارها فيما له فائدةٌ وما ليس له فائدةٌ معيارٌ صحيحٌ -وهو مساعدته على البقاء-، فحَكموا بأنّ هذه الأجنحةَ بلا فائدةٍ لأنّها لا تُساعد على البقاء بزعمهم، وبالتّالي فلا خَلْقَ عن قَصْدٍ، إذَنْ فالتّطوُّر صحيحٌ!
هذا هو الاستدلال الدّائري، وهو يشبه أنْ أقول لك:
"أنا صادقٌ، وبما أنّي صادقٌ فإنْ قلتُ لك أنّي لا أكذب، فأنا صادقٌ في هذه الدَّعوى، وبالتّالي فأنا صادقٌ"؛ الدّليل مأخوذٌ من الدعوى نفسِها
فنقولُ لهم: المنظومة الإيمانيّة المُنسجمة المتوافقة مع العلم الصحيح، الخاليةُ مِن مغالطاتكم تقول: أنَّ الخالق يخلق أشياء للجمال، فقال في أصنافٍ من الحيوانات: ﴿ولكُمْ فيهَا جمَالٌ حينَ ترِيحُونَ وحينَ تسْرَحُونَ﴾
فحتى لو افترضنا أنّ أجنحة وذيولَ الطُّيور الجميلة كالطّواويس وغيرها لا تُساعد على البقاء، وحتّى لو افترضنا أنّكم اطَّلَعتم على أحاسيس هذه الطّيور ومُيولها الجنسيّة وأثبتُّم أنّها لا تُساعد في التّزاوج، فيكفي أنّها تدلُّ العقلاءَ على أنَّ لهذا الجمال خالقًا، فكيف عندما نرى أنّ هذه الأجنحة ليست مفيدةً جماليًّا لنا
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 11min - 79 - رحلة اليقين (33) - أحرجتك: تعييب دعاة خرافة التطور لخلق الله وكيف نجيبهم - د. إياد قنيبي
أتباعِ الخُرافةِ، يتكلَّمونَ عن ما يسمُّونَهُ: أخطاءَ في تصميمِ الإنسانِ!
كشَبَكِيَّةِ العينِ، وقناةِ السَّائلِ المَنَوِيِّ، أو عمَّا يَعتَبِرونهُ أعضاءَ زائدةً: كالزَّائِدةِ الدُّوديةِ، وعِظامِ العُصْعُصِ، وغيرها..
كُلُّها أدلَّةٌ بديعةٌ على خلقِ اللهِ المُحكَمِ، يُحوِّلُها هؤلاءِ -بجهلٍ حينًا وبتجاهلٍ أحيانًا إلى أدلَّةٍ على الصُّدَفِيَّةِ والعشوائيَّةِ.
هل سنُبَيِّنُ أنَّ هذهِ كلُّها أمثلةُ خَلْقٍ حكيمٍ بالفعلِ؟ نعم
لكنْ قبلَ ذلكَ، ماذا أخِي وأختِي لو لمْ تَحضُر هذهِ الحلقةَ؟
وماذا لو لمْ تعرفِ الجوابَ عنِ الأمثلةِ الَّتي يَذْكرونَها؟
هل يكونُ أتباعُ الخرافةِ قدْ أحرجوكَ إلى أن تأتيَ بالجوابِ؟
هل أنتَ المُطالَبُ بالإجابةِ عن هذهِ الأمثلةِ؟
أم مُؤيِّدُ الخرافةِ هوَ المُطالَبُ بأن يفسِّرَ الإتْقانَ والإحْكامَ في الكونِ وكائناتِهِ تفسيرًا مُقنِعًا؟
طريقةُ أتباعِ الخرافةِ هذهِ تُسمَّى في علمِ المُغالطاتِ المنطقيَّةِ: (تحويلَ عبءِ الإثبات)؛ الخصمُ يقولُ كلامًا سخيفًا يَضعُهُ في وضعٍ مُحرِجٍ لأنَّهُ يُناقضُ الحقائقَ الواضحةَ لكلِّ أحدٍ، فإذا بهِ يثيرُ معركةً جانبيَّةً بمطالبتِكَ بالإجابةِ عن أمرٍ فرعيٍّ، فيُحَوِّلُ الأضواءَ عنهُ وتتوجَّهُ الأنظارُ إليكَ بانتظارِ أن تَرُدَّ على سؤالِهِ!
معَ أنَّ حقيقةَ الأمرِ أنَّكَ إنْ رددْتَ أمْ لمْ ترُدَّ، فإنَّ ذلكَ لا يغيِّرُ شيئًا من حقيقةِ أنَّ كلامَهُ سخيفٌ، وعدمُ امتلاكِكَ لجوابٍ عن سؤالِهِ لا يُعطي كلامَهُ هو أيَّةَ قيمةٍ.
لذلكَ أخي، فليسَ صحيحًا عندما يُواجِهُكَ أتباعُ الخرافةِ بمثلِ هذهِ الأسئلةِ على سبيلِ التَّحدِّي أن تبحثَ حثيثًا عن وظيفةٍ لهذهِ الأعضاءِ كأنَّكَ مُلزَمٌ بالجوابِ وإلَّا أفحمَكَ!
بلْ قُلْ لهم: اشْرَحوا لي بِدايةً عملَ الجهازِ الَّذي تتحدَّثونَ عن هذهِ الجزئيَّةِ فيهِ، مثلًا: حينَ يقولُ لكَ عرَّابُو الخرافةِ: "ترتيبُ خلايا شبكيَّةِ العينِ خطأٌ، الخلايا الحسَّاسةُ للضَّوءِ هيَ المخروطيَّةُ والعَصَوِيَّةُ، فكانَ يجبُ أن تكونَ إلى الأمامِ ليقعَ الضَّوءُ عليها مباشرةً، لكنَّها في الواقعِ إلى الخلفِ، وعلى الضَّوءِ أن يمُرَّ بخلايا لا علاقةَ لها باستقبالهِ، وهذا يدلُّ على أنَّ العينَ جاءتْ بالعشوائيَّةِ والصُّدَفِ"..
حينَ تسمعُ هذا الكلامَ أخي فقبلَ أنْ تضيعَ الصُّورةُ الكلِّيَّةُ في التَّفاصيلِ، وقبلَ أن تكلِّفَ نفسكَ بالبحثِ عن جوابٍ، قُلْ لهم: اشْرحوا لي بدايةً عملَ الجهازِ الإبصاريِّ الَّذي تعْترِضونَ على جزئيَّةٍ فيه (ترتيبِ شبكيَّتِهِ)، فلا شكَّ أنَّكم لم تعْترِضوا إلَّا وأنتم تعلمونَ بتفاصيلِ هذا الجهازِ الإبصاريِّ، ولذلكَ اعْتَبرتُم أنَّ هذهِ الجزئيَّةَ فيهِ زائدةٌ أو فيها خللٌ، وأنَّ الصَّحيحَ أن تكونَ على نحوٍ آخرَ معيَّنٍ..
دعهم يشرحونَ إنْ كانوا يعلمونَ!
دعهم يحدِّثونكَ عنِ العينِ، عضلاتِها الَّتي تتحكَّمُ بِعَدَسَتِها بما يناسِبُ المرئيَّاتِ القريبةِ والبعيدةِ، والتَّغذيةِ العصبيَّةِ لهذهِ العضلاتِ، نوْعَي السَّائلِ اللَّازمَيْن فيها، خلايا الشبكيَّةِ المتنوِّعةِ (العُصَيَّات والمخاريط) الَّتي يوجدُ منها في كلِّ عينٍ أكثرُ من 100 مليونِ خليَّةٍ، والَّتي عَلِقَ في ذاكِرتي من أيَّامِ دراسةِ الدُّكتوراة بحثٌ يقولُ: "إنَّ تركيبَ أحدِها أعقدُ مِن أعقدِ مصنعٍ شيَّدهُ الإنسانُ!"
دعهم يفسِّرونَ لكَ كيفَ يمكنُ للعشوائيَّةِ أن تُجمِّعَ ذرَّاتِ مركَّبِ (11-سيس ريتينال) "11-cis-retinal" بالشَّكلِ المناسبِ، بحيثُ يتغيَّرُ شكلُ هذا المركَّبِ عندَ اصطدامِ فوتوناتِ الضَّوءِ بهِ؟
دَعْهُم يحدِّثونكَ عن تهيئةِ العينِ لِتلتقِطَ المجالَ المرئيَّ تحديدًا منَ الطَّيفِ الكهرومغناطيسيِّ بما مَكَّنَها من رؤيةِ الكائناتِ.
دَعْهُم يُحدِّثونكَ عنِ: الُحزَمِ العصبيَّةِ المنبعثةِ منَ الشَّبكيَّةِ، النَّقلِ العصبيِّ، مراكزِ تفسيرِ الصُّورةِ في الدِّماغِ، تخزينُ الصُّورةِ في الذَّاكرةِ، أداءِ الجهازِ الإبصاريِّ لوظيفتهِ الَّتي يحتاجُها الإنسانُ على أكملِ وجهٍ حتَّى بلغتِ العينُ منَ الحساسيةِ أنَّها تستطيعُ الاستجابةَ لفوتونٍ واحدٍ -كما تذكرُ مجلَّةُ نيتشر "Nature"-.
دعْهم يَشرحونَ إنْ كانوا يعلمونَ.. وانظر كيفَ يردُّونَ على أنفسِهم بأنفسِهم!
فإنِ انتبهوا لجهلهم وإلَّا فذَرهُم في طُغيانهم يعمَهونَ، ففي أدلَّةِ التَّصميمِ من نفسِ الأجهزةِ الَّتي ادَّعَوا فيها خللًا كفايةٌ لِمَن أرادَ الهِدايةَ.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 17min - 78 - رحلة اليقين (32) - من سرق المليون؟ - د. إياد قنيبي
واقعُ السِّجلِّ الأحفوريِّ أنَّ لدينا عددًا ضخمًا جدًا منَ الأحافيرِ للكائناتِ المتمايزةِ، الَّتي نراها بيننا في الواقعِ هيَ هيَ كما هيَ، ولا نجدُ إلَّا أحافيرَ معدودة أقلَّ وضوحًا، فيُسارعُ أتباعُ الخرافة إلى التمسُّكِ بها كأنَّها لكائناتٍ انتقاليَّة، ومن ثم، فالحديثُ عن حفرية هنا وأخرى هناك
لكائناتٍ يُدَّعى أنَّها وسيطةٌ هوَ أسخفُ منَ الحديثِ عن قرشٍ وشِلن كأدلَّةٍ على سرقةِ مليونِ دينارٍ.
فكيفَ عندما نرى أنَّ العلمَ الصحيحَ لا يَلبثُ أن يُبطِلَ هذهِ المزاعمَ؟ كما رأينا نماذجَ من ذلك في حلقةِ: (في سبيلِ الخرافةِ)، أي قروشًا وشلناتٍ مغشوشةً ومزيفةً.
داروين "Darwin" كان يُدرِكُ هذا، ولذلكَ ذكرَ أنَّ خرافتهُ تتطلَّبُ أن نجدَ عددًا لا حصرَ له من أحافيرِ الكائنات الانتقاليّة؛ لا حصرَ لهُ،
وبعبارتهِ: أعداد لا حصرَها، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأبدى انزعاجهُ من عدمِ وجودِها، لكنَّهُ عوَّلَ على اكتمالِ السِّجلِّ الأحفوريِّ في المستقبلِ، تمامًا كما عوَّلَ المديرُ على احتماليَّةِ أن يكونَ (رياض) قد بلعَ مليونَ دينار.
أحافيرُ كثيرةٌ جدًا للكائناتِ، الَّتي نعرفُ، ليسَ بينها شيءٌ ممَّا توهَّمهُ داروين، معَ أنَّهُ ينبغي أن تكونَ مغمورةً في بحارٍ من الكائناتِ الانتقاليَّةِ، ومعَ ذلكَ يعوِّلُ على اكتشافِ المزيدِ.
بعدَ مئةٍ وثلاثينَ عامًا من تعويلاتِ داروين وأحلامهِ تجمَّعت أحافير لأكثرَ من (100) ألفِ نوعٍ من الكائناتِ، وأصبحَ غيابُ أحافير الكائناتِ الانتقاليَّة المزعومةِ أشدَّ مما كانَ أيامَ داروين، كما في هذا المقالِ الَّذي شقَّ
طريقَهُ إلى نيويورك تايمز "New York Times".
----------------------------
كَهَنةُ الخرافة يقولون: "لا خُطَّةَ خلق"، وفي الوقتِ ذاتهِ يبنونَ نصوصهم المسرحية على وجودِ هذه الخطَّة؛ يرسمونَ خطًّا بين كائنين، مع أنّ عبثيَّتهُم أشبه بالتفاعلِ الانشطاري لا بالخط المستقيم.
لذلكَ إخواني فالمصطلحات الَّتي يستخدمها أتباعُ الخرافة، مثل: (حلقات وسيطة، وكائنات انتقالية)، هيَ مصطلحاتٌ مضلِّلةٌ؛
فالوسيطة: تتوسَّطُ بين نقطتينِ محدَّدتين،
والانتقاليَّة: تنتقِلُ إلى غايةٍ محدَّدة،
في حين أن الصَّحيحَ أنَّ الخرافةَ تتطلَّبُ عددًا لا حصرَ لهُ من الأشكال العبثية لكائناتٍ كالفئرانِ مثلا، تتغيَّرُ على غيرِ هدى في كلِّ الاتِّجاهاتِ، قبل أن تتحوَّل بالصدفةِ وبطريقةٍ معجونيَّة إلى الشَّكلِ الذي افترضوا أنها تطوَّرت إليه.
كلُّ هذا إخواني في نوعينِ من بينِ ما يُقدَّرُ بأكثرَ من ثمانيةِ ملايينِ نوعٍ منَ الكائناتِ، التي افترضَ داروين أنَّ لها أصلًا مشتركًا.
----------------------------
تعالَوا الآنَ إخواني نراجعْ ظلُماتِ الخرافةِ وتضليلاتِ كهنةِ العلمِ الزائف، الَّتي تكلَّمنا عنها في الحلقةِ السابقة وحلقةِ اليوم. تعاملوا معَ الكائناتِ كلُعَبٍ معجونيَّةٍ ورسماتِ فوتوشوب "Photoshop"، ولم يُراعوا أجهزتَها الدَّاخليةَ وتشفيرها الوراثيَّ، وتجاوزوا حقيقة أنَّنا لا نرى على سطح الأرض أثرًا لتغيُّرات الكائنات عبثيًا في كل اتجاه،
ونزلوا دونَ مبرِّرٍ من عالَمِ الشَّهادةِ المحسوسِ إلى الحفريَّات، ورسموا خطًّا لتحوُّلِ الكائنات، مع أنهم لا يعترفونَ بوجودِ خُطَّةٍ للخلق، وتحدَّثوا بعدَ ذلكَ عن قرش وشلن يعني حفريات كأَدلَّةٍ على سرقةِ المليون، وتجاهلوا العددَ الضَّخم جدًا من الحفريَّات للكائناتِ المتمايزةِ المعروفة بيننا على أرضِ الواقع، وما يتطلَّبهُ ذلك من أضعافِ أضعافِ أعدادها التي لا تُقارَنُ من حفريَّاتٍ انتقاليَّة حسبَ خرافتهم. وقروشهم، وشلناتهم، أي الحفرياتِ الَّتي يتعلَّقونَ بها، بعد هذا كلِّه مُزوَّرةٌ أو مُساءٌ تفسيرُها!
إذا أدركْتَ ذلك أخي فستضحكُ مِلءَ الفَم عندما يقولُ لكَ أحدَ أتباعِ الخرافةِ: "اكتشافُ الحفريَّةِ الانتقاليَّة الفلانيَّة أثبتَ تطوُّرَ الزَّواحِفِ إلى طيور وحسَمَ الخلافَ وأغلقَ الملفَّ"، في استخفاف من الجهلِ أوِ التَّجاهل، وستضحكُ عندما تراهم يحتفون بأيَّةِ حفريَّة، ولن تُكلِّفَ نفسكَ أن تستمعَ إلى هُرائهم عنها.
إذا أدركْتَ ذلك أخي عَلِمتَ معنى الجهلِ المركَّبِ والزَيفِ المركَّبِ وعَلِمتَ شيئًا من معنى قول الله -تعالى-: ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوق بَعْض، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاها وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [القرآن 24: 40]
إذًا كانت حلقتُنا عنِ التَّهرُّبِ ممَّا يترتَّبُ ضرورةً على الخرافة.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 14min - 77 - رحلة اليقين (31) - خاطبهم كأطفال - د. إياد قنيبي
في مقال للكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي "Noam Chomsky" بعنوان: "عشر استراتيجيات للتلاعب من قِبَل الإعلام" ذكر الكاتب عشرَ وسائل يستخدمُها الإعلامُ ليغسلَ بها عقولَ الشعوب، وذكر منها: "خاطبهم كأطفال" هذا ما يفعلُه أتباعُ الخُرافة حين يتكلَّمون عن تحوُّل كائنٍ إلى آخر كأنَّ الكائنات الحيةَ لعبةٌ معجونيَّة، يمكن إعادة تشكيلها لإنتاجِ شكلٍ مِن آخرَ كأنَّها رسمةٌ بالقلم على ورقة، أو رسمة ثلاثية الأبعاد تعمل فيها استطالة هنا وتقصير هناك، ببضع ضغطاتٍ على فأرة الحاسب ثُمَّ فجأة: إذا لدينا كائنٌ آخر، دون أيَّة مراعاةٍ لما تتطلَّبُه هذه التَّغَيُّرات الشكلية الخارجيَّة من تغيُّراتٍ ضخمةٍ جدًّا في الأجهزة الحيويَّة والتشفير الوراثي.
.............
تعالوا نأخذ مثالًا بسيطًا أقلَّ تعقيدًا، لن نتحدَّث عن تحوَّلِ نوعٍ من الكائنات إلى نوعٍ آخر مختلفٍ تمامًا في أجهزته الحيوية، بل عن تغيُّرٍ بسيطٍ في نفس الكائن: الزرافةُ التي يفترض داروين "Darwin" وأتباعه أنَّ رقبتها استطالت عبر الأجيال.
داروين كان يرى -مثلَ لامارك "Lamarck" بأنَّ ذلك حصل نتيجة مدِّها عنقَها لتناول الورق، وأتباع داروين علموا أن ذلك خرافة فقالوا بدلًا منها: بل بالطَّفرات العشوائيَّة؛ طفراتٌ عشوائيَّة أطالت رقبتها وانتهت القصَّة.
............................
تعالوا نر إخواني ماذا تتطلَّب هذه الاستطالة من تغيُّراتٍ على مستوى أجهزة الجسم، ولنأخذ فقط القلب والأوعية الدموية.
المسافة بين القلب وأعلى رأس الزرافة تصل إلى (3) أمتار -يعني قريبًا من ارتفاع طابق-، ومن ثم فقلب الزرافة يجب أن يكون قويًّا جدًّا ليتمكَّن من ضخِّ الدم إلى هذه المسافة عكسَ الجاذبيَّة، وهو بالفعل كذلك؛ فوزن قلبِها قد يتجاوز 11 كيلوغرام، وطول قلبها حوالي 60 سنتيمترًا، وسُمك جدرانه 7.5 سنتيمتر، ومن ثم فهو يضخُّ الدم بقوَّةٍ شديدة إلى رأس الزرافة عكسَ الجاذبية.
تخيَّل معي الآن عندما تنزل الزرافة رأسها لتشرب الماء، القلب يعمل مع الجاذبيَّة الآن، وهذا الضخُّ القويُّ يُفترَض أن يفجِّر عروقَ رأسِها، لكنَّ هذا لا يحدث لماذا؟ لأنَّ هناك آليَّاتٍ عديدة لمنع حدوث ذلك:
- أوَّلًا: هناك صمَّامات على طول الشرايين السُّباتيَّة المغذِّية للدماغ تُبطئ من اندفاع الدم نحو الدماغ عندما تحني الزرافةُ رأسَها، لكن حتى مع هذه الصمَّامات، فإنَّ آخر دفقةٍ من الدم للدِّماغ كفيلةٌ بتفجير الشرايين الصغيرة الموصلة له
- لذلك فلدينا آليَّة حمايةٍ ثانية: وهي أنَّ الدم لا يذهب للدماغ وشرايينه الصغيرة مباشرةً، وإنَّما إلى شبكةٍ من الأوعية الدمويَّة أسفل الدماغ تعمل مثل الإسفنج لتمتصَّ الصدمةَ، ثمَّ تتكفَّل بتوزيع الدم برفقٍ في دماغ الزرافة، هذه الشبكةُ من الأوعية الدمويَّة تتمدَّد لتستوعبَ كمِّيات الدم الزائدة، عندما تُنزِل الزرافةُ رأسَها هذه الشبكةُ معقَّدةٌ للغاية وتُسمَّى ريتي ميرابيلي "Rete Mirabile"، ويسمُّونها أيضًا: (The wonderful network) أي: (الشبكة الرائعة)، وهي بالفعل رائعة، وأُجْرِيَت عليها الكثير من الأبحاث العلمية.
- الآلية الوقائيَّة الثالثة: هي وجود سبع صمَّامات في الوريد النازل من الرأس إلى القلب هذه الصمَّامات تمنع الدمَ النازل من الدماغ إلى القلب من الرجوع إلى الدماغ.
هذه الآليَّات الثلاثةُ تحمي دماغ الزرافة من الانفجار عندما تحني رأسها لتشرب حسنًا، عندما ترفع الزرافةُ رأسها من جديد، ماذا يحدث؟ تنقبض الأوعيةُ الدمويَّة في الشبكة الرائعة (Rete Mirabile) في الوقت المناسب لتضخَّ الدم إلى الدماغ، والصمَّامات في الشرايين المتوجِّهة من القلب إلى الدماغ تمنعُ انزلاقَ الدم إلى الأسفل، فيأخذ الدماغ حاجته من الدم، ولا يصيبها الدوار.
المشكلة العكسيَّة نُواجهها مع أرجل الزرافة، إذ أنَّه من المتوقَّع أن يتجمَّع فيها الدم وتنتفخَ الأرجل، لكنَّ ذلك لا يحصل، لأنَّها تمتلك جلدًا ثخينًا مشدودًا في ساقيها، مثلَ جوارب الضَّغط التي يستخدمُها بعض المرضى لمنع الدم من التجمُّع في الأطراف حتى وكالة ناسا "NASA" الفضائيَّة تدرس هذه الجزئيَّات في تصميم الزرافة، لتصمِّم أطقم جاذبية لرواد الفضاء.
كل هذا تطلَّبه طُول عنق الزرافة، وهذا على مستوى الجهاز الدموي فقط، اقرأ إن شئتَ عمَّا يتطلَّبه طول عنقها في جهازها الهضمي والتنفسي والعصبي وغيرها.
عندما تدرك ذلك أخي فستُدرك مدى الاحتقار للعقل البشري الذي يمارسُه أنصارُ الخرافة حين يعرضون لك رسمةً كهذه، أو كهذه، ريشٌ ينبت على أيدي الديناصور، ليستطيعَ التقاطَ البعوضةِ، في مهزلة دراميَّة، عيبٌ يا جماعة واللهِ، عيبٌ «إنَّ ممَّا أَدرَكَ الناسُ مِن كلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذا لم تَستَحِ فاصنَعْ ما شِئتَ»
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 14min - 76 - أحلامك بين إيديك (9) - قلبك بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (9) - قلبك بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sat, 15 Jun 2024 - 16min - 75 - أحلامك بين إيديك (8) - الحب بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (8) - الحب بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 14 Jun 2024 - 15min - 74 - أحلامك بين إيديك (7) - الفرحة بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (7) - الفرحة بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 13 Jun 2024 - 17min - 73 - أحلامك بين إيديك (6) - الجنة بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (6) - الجنة بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Wed, 12 Jun 2024 - 18min - 72 - أحلامك بين إيديك (5) - كرامات بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (5) - كرامات بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Tue, 11 Jun 2024 - 16min - 71 - أحلامك بين إيديك (4) - الرزق بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (4) - الرزق بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 10 Jun 2024 - 17min - 70 - أحلامك بين إيديك (3) - اليقين بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (3) - اليقين بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 09 Jun 2024 - 16min - 69 - أحلامك بين إيديك (2) - السعادة بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (2) - السعادة بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sat, 08 Jun 2024 - 19min - 68 - أحلامك بين إيديك (1) - القوة بين ايديك - د. حازم شومان
أحلامك بين إيديك (1) - القوة بين ايديك - د. حازم شومان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 07 Jun 2024 - 19min - 67 - رحلة اليقين (30) - أجرني عقلك - د. إياد قنيبي
رأينا في الحلقة الماضية أنَّ من أساليب أتباع خرافة التَّطوُّر: الخلط بين الحقائق والخرافة، حتَّى يمرَّ عليك هذا الخلط يحتاج بعض البهار مِن الإبهار؛ الإبهار برجالات خرافة التَّطوُّر؛ لذلك عندما تَسمع من بعض عرَّابي الخرافة من بني جلدتنا من يُمجِّد العلماء التَّطوُّريين: داروين "Darwin" كان وكان! فلانٌ عالمٌ عظيم! الآخر عالمٌ كبيرٌ جدًّا جدًّا! كَتبَ في هذه الظَّاهرة كتابًا من (600) صفحة! بحث في تلك الظَّاهرة (20) سنة! فلانٌ حاز على جائزة نوبل "Nobel"! والآخر على لقب سير "Sir" في العلوم! كذا بالمئة من علماء الطَّبيعة يؤمنون بنظريَّة التَّطوُّر... عندما تسمع مثل هذه العبارات، فهي كثيرًا ما تكون محاولاتٍ للطَّلب منك أن تؤجِّر عقلك لهم كأنَّه يقول لك: هم يعرفون أكثر منك، أذكياءٌ يفهمون أكثر منك، جهِّز نفسك، ستسمع كلامًا غريبًا، لكنْ عليك أن تقتنع به؛ لأنَّ القائل به هم هؤلاء العظماء! إذَا خالف كلامهم عقلك فلا تتَّهم صِدْقَهم أو صحَّة استنتاجاتهم، بل اتَّهم عقلك! لا تحاولْ أنْ تتأكَّد بالنَّظر في التَّجارب الَّتي منها وصلوا إلى استنتاجاتهم
.......
هل تُريدني أنْ أُلغيَ عقلي وأتَّبِعَهم على عمى؟! تريدني أن أُقلِّدهم في استنتاجاتهم مهما سَخُفت لأجل عِلمهم وألقابهم؟! أتعلمون إخواني-؟ تأجيرُ العقل هذا جريمةٌ ولو مارسْتَها مع مَن هو أعلم منك بالدِّين؛ مطلوبٌ منك اتَّباع العلماء؟ أي نعم، لكنْ ما تكلّموا بعلمٍ، ولا يَكتسبون يومًا قدسيَّةً تُصحِّح كلامهم دون هذا الشَّرط؛ ألم تر كيف ذمَّ الله -عزَّ وجلَّ أهل الكتاب بقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾
هؤلاء الأحبار والرُّهبان كانوا أعلمَ بالدِّين ولا شكّ لكنَّهم لمَّا أحلَّوا الحرام وحرَّموا الحلال، وخالفوا المسلَّماتِ المعلومةَ بالضَّرورة الواضحة من نصوص الوحي لكلِّ عاقلٍ كان مِن الجريمة أن يؤجِّر لهم عامَّة النَّاس عقولهم، ويتَّبعوهم على باطلهم ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
...........
الانتفاع بحقائق علوم الطبيعة فتوفيقٌ وهدايةٌ ويحتاج سلامة القلب، وحُسن القصد كالعلم الشَّرعيِّ تمامًا؛ مثلما هناك أناسٌ يحفظون القرآن والسُّنَّة وأقوالَ العلماء ولا ينتفعون بها بل ويوظِّفون علومهم في تضليل النَّاس فهناك علماءُ طبيعةٍ لا ينتفعون بعلومهم بل ويوظِّفونها في تضليل النَّاس.
ما السَّبب؟ هل هو خوفٌ من التحزُّب الدَّارويني؟ هل لأنَّ البديل لديهم دِينٌ محرَّفٌ غير مُقنِع؟ هل لعُقَدٍ نفسيةٍ أصابتهم من تصرُّفات الكنيسة في القرون الوسطى؟ هل هو حرصٌ على المناصب الأكاديميَّة؟ هل هو تربُّحٌ واكتسابٌ وصُعودٌ على ظهر الخرافة؟ هل هم يتظاهرون كذبًا أنَّهم مقتنعون بالخرافة؟ أم أنَّهم اتَّّبعوا أهواءهم فعَمِيَت بصائرهم حتَّى اقتنعوا بالخرافة بالفعل؟ لماذا يُظهرون إيمانًا بخرافة التَّطوُّر؟! ليس هذا موضوعنا الحالي، وإن كنَّا سنتعرّض لاحقًا للأسباب بإذن الله لكنْ مهما كان السَّبب لا تطلب منِّي أنْ أؤجِّر عقليَ لهم.
لذلك فعندما يقول لك عرّابو الخرافة: "داروين بقي يؤلِّف كتابه (أصل الأنواع) (20) سنة!" فبدل أن تنبهر قل: "اللّهمّ إنِّي أعوذ بك مِن علمٍ لا ينفع"، إذا لم يكن مِن اللهِ عونٌ للفتى فأوَّل ما يقضي عليه اجتهادهُ، ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾
.....
لذلك إخواني وأخواتي عمَلُنا في هذه الحلقات ليس أن أحشِد لك أسماء العلماء الَّذين ينكرون خرافة التَّطوُّر، ومقولاتهم في ذلك، لن أقول لك: لا تؤجِّر عقلك لريتشارد دوكينز "Richard Dawkins" وتعال أجِّره لمايكل دانتون "Michael Denton" لأنَّه أعلم، أو أبحاثه أكثر، بل هم رجالٌ، ونحن رجالٌ.
والعجب ممَّن يستخدمون هذه العبارة مع أئمَّة الإسلام ولا يستخدمونها مع ريتشارد وسام وجون... بل يريدوننا أن نؤجِّر عقولنا لهم! العجب ممَّن يقلِّل من شأن الإجماعات في العقيدة والتَّفسير ويجوِّز أن يكون علماء الأمَّة لـ(14) قرنًا قد أخطؤوا الفهم الصَّحيح بحُجَّة أنَّهم رجالٌ ونحن رجالٌ، ثمَّ هو طفلٌ مستسلِمٌ عالةٌ على علماء الغرب مؤجِّرٌ عقله لهم، وداعٍ غيرَه لتأجير عقولهم معه لهم!
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 09min - 66 - رحلة اليقين (29) - خلط الحقائق بخرافة نظرية التطور (هولندا و البندورة فيتامين النجاح) - د. إياد قنيبي
ما يمارِسه مروِّجو خرافة التَّطوُّر بمهارة، الخلطُ بين المشاهدات والافتراض بين الحقائق والخرافة، ساعاتٌ من الشَّرح المستفيض عن تفاصيل الأحياء والاكتشافات والأبحاث، ثُمَّ ذِكْرُ الخرافة في الثَّنايا ليَسهُلَ بلعُها، ليبدو وكأنَّ الحقائق المذكورة وخرافةَ التَّطوُّر جزءان لا يتجزءان، حزمة، لا بدَّ من أخذهما سويَّةً،
فتقولُ: "هذا الشَّخصُ كَلامُه علمي، ويتكلَّم بتجاربٍ وبملاحظاتٍ دقيقة" لكن حقيقةُ الأمر أنه حشر كذبةً أو سوء تفسير، وظَّف به كلَّ هذه المشاهدات في الاتِّجاه الخاطئ تمامًا. بغضِّ النَّظر عن إذا كان مقتنعًا بهذه الكذبة أم غير مقتنِع،
لعلك تُناقِش أَحدَهم فيقول لك: ماذا تعرفُ عن طائر البرقش؟ ماذا تعرفُ عن سمك الجابي؟ عن السَّحالي الإيطاليَّة؟ عن مقاومة البكتيريا للمضادَّات؟ وعن البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات؟
تَسألُه: ما لها هذه الأمثلة؟
فيقول لك: هذه كلُّها حَصَل لها تطوُّر صغرويٌّ "micro evolution" نراه أمام أعيننا، طفرات عشوائيَّة في المادَّة الوراثيَّة أنتجت بالصُّدفة صفاتٍ نافعة للبرقش، سمك الجابي، السَّحالي، البكتيريا، فأصبحت أكثر قدرة على التَّكيُّف في بيئةٍ ما، فحَصَل لها انتخابٌ طبيعيٌ
وهذا كلُّه في زمن محدود، ومن ثم فمع مئات ملايين السنين يمكن أن تكون البكتيريا قد تطوَّرت إلى كل أنواع الكائنات الحيَّة بالطَّفرات العشوائيَّة أيضًا،
أي إذا أثبتنا حدوث التَّطوُّر الصُّغروي "micro evolution" في بضع سنين، فيمكننا تصوُّر أن يحدث التَّطوُّر الكبرويُّ "macro evolution"، الذي يَنْتُج عنه أنواعٌ مختلفةٌ من الكائنات في مئات ملايين السنين.
ويُفيض صاحبنا في شَرْحِ التَّغيُّرات التي حَصَلت في تراكيب هذه الكائنات ثُمَّ يقول لك: لا تعرفُ عن هذه الأشياء وتأتي لتُنَاقش في التَّطوُّر يا جاهل!
حتى تُحِسَّ أنَّك تتضاءل أمام هذا العالِم الذي يعرف أكثر منك بكثير، وأنَّه بنى قناعاته على علم. وعند التَّفحُّص العلمي تُفَاجَأ أنَّه وببساطة يكذبُ أو مكذوبٌ عليه، فكلُّ ما حشده من أمثلةٍ ليُوهِمَك أنَّها أمثلة على طفراتٍ عشوائيَّة وافقت البيئة بالصُّدفة، إنَّما هو في الحقيقة حسب الأبحاث العلميّة أمثلةٌ على التَّكيُّفِ بآلياتٍ دقيقة التَّصميم لا مكان فيها للعشوائيَّة أبدًا؛
فتجد في هذه الكائنات وفي مادَّتها الوراثيَّة وطريقة قراءتها القدرةَ على تغيير خصائصها؛ لتتأقلم مع التَّغيُّرات البيئيَّة بطريقةٍ دالةٍ على أنَّها وبيئتَها من تصميم عليمٍ، قديرٍ، حكيمٍ، قيومٍ على خَلْقِه، كما رأينا بوضوحٍ إخواني في حلقة البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات، وكما سنشرح أكثر لاحقًا بإذن الله عن الأمثلة الأخرى التي يذكرونها.
في حين يدّعي متَّبع الخرافة أنَّها طفراتٌ عشوائيَّة، أي أنه بَهَرَكَ بكثرة الأمثلة، وكذبَ في محلِّ الشَّاهد تحديدًا، وحقيقةُ الأمر أنَّ كلَّ ما ذكره من أمثلة حجةٌ لك لا عليك.
خطأٌ كبيرٌ يقع فيه حتَّى بعضُ المعارضين للخرافة أنَّهم يقولون: "نحن لا نُنْكر التَّطوُّر الصُّغروي، لكنَّنا نُنْكر التَّطوُّر الكبروي، الذي يحوِّل كائنًا إلى نوعٍ آخر من الكائنات، فالبكتيريا تطوَّرت، لكنَّها بقيت بكتيريا، وعصافير داروين "Darwin" تطوَّرت، لكنَّها بقيت عصافير"
لا إخواني، لا، التَّطوُّر هو تغيراتٌ عشوائيَّة وانتخابٌ طبيعيٌّ ترقيعيٌّ أعمىً، هكذا يُعرِّفونه، وهذه هي دلالة المصطلَح عند أصحابه، فعندما توافقهم على ما يسمُّونه التَّطورَ الصُّغرويَّ، أنت تقرُّ بأنَّ العشوائيَّة تُكْسِبُ الكائنات خصائصَ نافعة، وهو أمر باطلٌ عقلًا وعِلْمًا،
وكلُّ الأمثلة التي يوردونها هي على تكيُّفاتٍ بديعةٍ دقيقةٍ لا مكان فيها للعشوائيَّة أبدًا، فليست ماكرو ولا مايكرو ولا نانو ولا فيمتو تطوُّر.
الخلط بين الحقِّ والباطل طريقةٌ قديمةٌ أنكرها الله تعالى على أهل الكتاب، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [القرآن 3: 71]. وهكذا هؤلاء، يخلِطون الحقائق بباطلِ الخرافة ويكتمون الحقائق التي تهدم خرافتهم.
بالإضافة إلى ذلك يتمُّ خلط المشاهدات الكونية الدَّالَّةِ على الله بالشَّهوات، فلا تكاد ترى فيلمًا وثائقيًّا إلا ويُحشَر فيه مشاهد تستدعي الغرائزَ وتَحْرِف العقل، وكأنَّه من وحي الشَّيطان إلى أوليائِه؛ حتَّى لا يتسرَّب الإيمان إلى القلوب عند مشاهدة بدائع الخلق، ولا يتحرَّكَ اللِّسان بقول:﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [القرآن 3: 191] بل تطغى الشَّهوة وتَسْتَحكِم الغفلة باستحضارِ هذه المشاهد.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 08min - 65 - رحلة اليقين (28) - تفكيك نواة كرة القش - د. إياد قنيبي
كُرةٌ كبيرةٌ بدأت بنَواةٍ صغيرةٍ، تدحرَجت في حقلِ قشٍّ حتى كَبُرتْ. النَّاظرُ إليها يظنُّها شيئًا كبيرًا، وهي في الحقيقةِ قشٌ، وغُثاءٌ، وورقٌ يابسٌ، وهباء.
هكذا هي خُرافة التَّطوُّر. هكذا هي خُرافة أنَّ الكائنات جاءت بمجموع الصُّدف، دون قصدٍ ولا تصميمٍ سابِق.
أركانٌ خُرافيةٌ تُناقض العقل والعِلْم تحالفت مع طُرُق استدلالٍ باطلةٍ، فتكوَّنت من هذا الثُّنائيّ نَواةٌ تدحرجت عبر قرنٍ ونصف في حقل المشاهدات الكونيَّة؛ فأنتجت كرةً كبيرةً.
عندما يتكلم أنصارُ الخُرافة عن حفريّة هنا، أو عضوٍ بلا وظيفةٍ هناك حسب ما يزعمون فهذا كله قشٌّ.
لن ننشغل بهذا القشِّ قبل أن نُفَكِّكَ النَّواة.
في حلقة (نظريَّة داروين بإنصاف)، ثم حلقة (عنزة ولو طارت)، فكَّكْنا الأركان الخُرافيَّة، وبيَّنَّا لماذا هي خُرافيَّة.
بقي علينا أن نفكِّك طُرُق الاستدلالِ الباطلة المُتحايِلة، التي جذبت المشاهدات الأحيائيّة والحفريَّة، وجمَّعتها على الأركانِ الخُرافيَّة.
بقي علينا أن نبيِّن كيف استطاع كهنة العلم الزَّائف أن يحوِّلوا حقائقَ الخَلْق التي تَقصِمُ ظَهر خُرافتِهم إلى أدلَّةٍ تدعمُ خُرافتَهم في عيونِ البعض.
سنضعُ عناوينَ مُرتَّبة، وقواعدَ للتَّفكير، أسسًا نبني عليها. من الممكن أن تستمع إليّ؛ فتقتنع، ثم تستمعَ لأحد أتباع الخُرافة، أو مُحاولي أَسْلَمَتِها؛ فتقتنعُ أيضًا، وتتضايق من نفسك، أنْ كلمةٌ تأخذك وكلمةٌ تردُّك، ولستَ قادرا على تمييز الحق من الباطل، ولا أن تبنيَ قناعةً راسخةً بشيء،
في حين أنّا عندما نتعلمُ معًا قواعدَ التفكيرِ السليم، فسوفَ تصبحُ عندك قدرةٌ على التَّمييز بين من يسير كلامُه بالاتِّجاه الصَّحيح، فتَتعزَّز قناعتُك على نورٍ كلما سمعت له أكثر، وتزدادُ هدًى وطمأنينةً -بإذن الله-،
وسترى في المقابل الكلام الذي يُضلِّلُ العقل و يُفسدهُ، ويتظاهرُ مع ذلك أنه يخاطبهُ ويحترمهُ، حتى تَعلمَ أنه ليس كلُ دليلٍ دليلًا حقًّا؛ ﴿قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِۚ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
هناك كمِّيةٌ هائلةٌ من المناقشات والرُّدود موجودةٌ في الكتب وعلى الإنترنت، وهناك جهدٌ كبيٌر بذله المتكلمون في نقد خُرافة التَّطوُّر، لكن على بعضه مَآخِذ، والبعض الآخر نفيس، لكنه شذرات ذهب متفرِّقة.
في محورنا هذا- تفكيك نَواة كرة القش- نحاول أن نضع إطارًا نظريًّا، وترتيبًا منطقيًّا؛ لمناقشة الموضوع.
نريد أن نرى أباطيل الاستدلال، ونرتِّبَها تحت عناوين محصورة؛ فبعد ذلك عندما تسمع لأي شخصٍ، تسأل نفسك: هل هذا استدلالٌ صحيحٌ أم باطل؟ وإن كان باطلًا، فَتَحْتَ أيُّ عُنوانٍ من عناوين الاستدلال الباطل يقع؟
قد تستمع مُطوّلا لشخصٍ ما، يَحشُد لك الكثير من الأدلَّة المُفترضة على صَّحة الخُرافة، ثم بالتَّدقيق، تُفاجَأُ أنها كلَّها أمثلةٌ على نوعٍ واحدٍ من الاستدلال الباطل.
كان يُمكن للقرآن أن يُبيِّن أدِلَّة وجود الله وأدِلَّة صفاته ويكتفي؛ لكنَّه مع ذلك فصَّل في طُرُق أهل الباطل، وحِيَلِهم لترويج باطلهم. ﴿وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾.
الإنسان صاحب العقل السَّليم والقلب السَّليم سيكتفي بذلك دليلًا على حقيقة الخَلْق الإلهي عن قصدٍ وإرادةٍ.
هذه الحقيقة الكونيَّة العُظمى الواضحة البَدَهِيَّة، كيف أصبَحَتْ مَحلَّ شكّ؟! ما التَّضليل والتَّجهيل الذي مارسه أتباع الخُرافة باسم العِلْم حتى يُعَمُّوا العقل عنها؟
كيف استطاعوا أن يُقنعوا عددًا من الشَّباب بأسخف وأغبى فكرةٍ في التاريخ؟ أنَّ الكائنات جاءت بمجموع الصُّدف، دون قصدٍ، ولا علمٍ، ولا إرادة
كيف يُمارَس إعدام العقل باسم العقل، وتزييف العِلْم باسم العِلْم؟
كيف تُغْسَلُ الأدمغة عُمومًا؟
هذا ما سنراه في حلقاتنا القادمة بإذن الله،
سترى كيف أن الَّذي يريد إعطاء كورس "Course" أو دورة في المغالطات المنطقيَّة والألاعيب النَّفسية عمومًا، فما عليه إلا أن يختار خُرافةَ التَّطور وما فَعَله كَهنَتُها لترويجها، وسيجد كل المغالطات والألاعيب حاضرةً متوافرةً في هذا الموضوع.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 06min - 64 - رحلة اليقين (27) - رحلة فشل اتباع داروين في محاولة إيجاد دليل على نظرية التطور - د. إياد قنيبي
في الحلقتين الماضيتين، رأينا كيف أسَّس داروين عناصر خُرافته على شفا جرُفٍ هارٍ، وبنى عليها أنصارهُ من بعده؛ فَانْهار بهم في مزيدٍ من مصادمة العقل والعلم، فالمسألة ليست أخطاءً صُحِّحت وثغراتٍ سُدَّت، بل خروقٌ وُسِّعت، و(عنزةٌ ولو طارت)، وما زادتِ التَّعديلاتُ النَّظريَّةَ إلَّا خُرافيَّةً ومصادمةً للاكتشافات. يقولون لك: لكنْ، هذه النَّظريَّة عليها أدلَّةٌ، وقد جاء مَنْ بعد داروين ليحشدوا المزيد مِن الأدلَّة تعالوا نرَ مجموعات (الأدلَّة المزعومة)!
- أولًا: الأحافير
حسب داروين، فإنَّ الكائنات الحيَّة تطوَّرت من أصلٍ مشتَرَكٍ أو أصولٍ قليلةٍ بتدرُّجٍ بطيءٍ، ومن ثم يُفترَض أن نرى ذلك التَّدرُّج على أرض الواقع، لكنَّنا نجد بينها في الحقيقة تمايزًا كبيرًا، وفجَواتٍ هائلةً، وحدودًا عازِلةً، فأين الكائنات الانتقاليَّة بين الزَّواحف والطُّيور مثلًا؟ لا وجود لها على أرض الواقع. أَقرَّ (داروين) بأنَّ هذا يناقض خيالاته، فعوَّض عن ذلك بتخيُّل أنَّ هذا التَّدرُّج والكائنات الانتقاليَّة كانت موجودةً في الماضي، ومن ثم يجب أنَّ نجد أحافيرها وأجسامها المتحجِّرة تحت الأرض.
ثانيًا: وجد (داروين) أنَّ الكائنات الانتقاليَّة ليست (لا حصر لها) كما تُحتِّم خُرافته؛ بل لا وجود لها، ومن ثم فكلُّ الأدلِّة كانت ضدَّ افتراضات (داروين) هل جَهل (داروين) ذلك؟ لَمْ يجهله ولعلَّ البعض يظنُّ أنَّ هذه الاكتشافات جاءت بعد (داروين)، والحقُّ أنَّها مِن أيَّامه وقد تكلَّم باستفاضةٍ عن كائنات (العهد الكامبري)، وتساءل أيضًا عن غياب الكائنات الانتقاليِّة قائلًا: "بما أنَّه حَسْبَ هذه النَّظريَّة فإنَّه لا بدَّ أن تكون قد وُجِدت في الماضي أشكالٌ لا حصر لها مِن الكائنات الانتقاليَّة، فلماذا لا نجدها مدفونةً بأعدادٍ لا حصر لها في طبقات الأرض؟" ممتازٌ، إذن، استيقظتَ مِن أحلامك يا (داروين)؟ لا، بل لا بدَّ للخرافة أنْ تستمرَّ بدل أن يُعنوِنَ (داروين) اعترافاته هذه بعنوان: (السجلُّ الأحفوريُّ يخيِّب أحلامي كما خيَّبها ما فوق الأرض) عَنْوَنها في كتابه بعنوان: (عدمُ اكتمالِ السِّجلِّ الأحفوريِّ).
-----------------------------
الدّليل الثّاني: بصمات الصُّدفة في أعضاءٍ لا فائدة منها
كان داروين في كتابه (تحدّر الإنسان)، الّذي نشره بعد (أصلِ الأنواع)، قد ذكر أمثلةً عديدةً على أعضاء ضامرةٍ غير مفيدةٍ في جسم الإنسان كدليلٍ على التّطوُّر وسمّاها (الأعضاء الأثريَّة)، مَنْطِقُهُ في ذلك: أنَّ هذا الإنسان ما دام قد جاء بمجموع الصُّدف، فإنّ الصُّدف ستكون قد تركت بَصْمَتَها في منتجاتها: بقايا تطوّريّةً، وآثارًا مِن الأسلاف والجدود الحيوانيّة، الّتي لم يَعُد لها وظيفةٌ في جسد الإنسان، وكأنّ (داروين) قد فتح بذلك بابًا فأسرع أنصارهُ يتدافعون فيه يُنقّبون جسم الإنسان ويمحِّصُونه جزءًا جزءًا بحثًا عن أخطاء!
الدّليل [الثالث] -والّذي اعتمد عليه داروين كثيرًا: وجود بعض التّشابهات الشَّكليَّة في الشّكل الخارجيّ، والتّشابهات التشريحيّة بين بعض الكائنات الحيّة
اعتبار الشَّبَه دليلًا على وَحْدة الأصل ليس مقدّمةً علميّةً، ولا منطقيّةً ويكفي في إبطال دلالته ظاهرة التَّشابهات الشّديدة بين الحيوانات (المشيميّة) وشبيهاتها (الجِرابيّة).
الدّليل [الرابع]: التّشابه الجنينيُّ
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 22min - 63 - رحلة اليقين (26) - قصة البكتيريا الهاضمة للسيترات فضيحة لأتباع خرافة نظرية التطور - د. إياد قنيبي
السَّلامُ عليكُم إِخوانِي وأخواتِي
هذا المقطعُ مكمّلٌ لحلقةِ "عنزةٌ ولوْ طارَتْ"، وهيَ الحلقةُ (22) مِن رحلةِ اليقينِ.
أتباعُ الخرافةِ يقولونَ لكَ: مُحرِّكُ التَّطوّرِ هو عمليَّاتٌ عشوائيَّةٌ أهمُّها الطَّفراتِ في المادَّةِ الوراثيَّةِ.
البكتيريا مثلًا، يقولونَ: "طوَّرَتْ صِفةً جديدةً نافعةً لها بالطَّفراتِ العشوائيَّةِ في زمنٍ محدودٍ، ومن ثَمَّ، فمعَ ملياراتِ السَّنواتِ يُمكِنُ أنْ تكونَ البكتيريا قد تطوَّرَتْ إلى كلِّ أنواعِ الكائناتِ الحيَّةِ بالطَّفراتِ العشوائيَّةِ أيضًا".
سنؤجِّلُ مناقشةَ ملياراتِ السَّنواتِ هذه ومدى صحَّتِها، وسنؤجّلُ افتراضَ أنَّه إذا ثبتَ أنَّ العشوائيَّةَ تعطي البكتيريا صفاتٍ نافعةً، فإنَّ هذا يعني إمكانيَّةَ أنْ تتحوَّلَ بالعشوائيَّةِ أيضًا إلى كلِّ الكائناتِ التي نرَى، سنؤجِّلُ هذا ونركِّزُ على أصلِ الموضوعِ. هل تُطوِّرُ البكتيريا صِفاتٍ جديدةً نافعةً لها بالعشوائيَّةِ حقًّا؟
أشهرُ تجربةٍ يستدلُّونَ بها على ذلكَ هي تجربةُ رِيتشارْد لِينسْكي "Richard Lenski" على البكتيريا المعويَّةِ إِسشيريشيا كولاي "Escherichia Coli" أو اختصارًا إيكولاي "E. Coli"، التي قامَ فريقُ لينسكي بتنميَتِها مَخبريًّا. وأكثرُ ما يركِّزونَ عليهِ في هذه التَّجربةِ، هو أنَّ بعضَ هذه البكتيريا استطاعَتْ بعدَ مرورِ سنواتٍ طويلةٍ على تنميتِها، أنْ تلتقطَ مادَّةَ السّيتراتِ "Citrate" لتتغذَّى عَليها.
ما قِصَّةُ السّيتراتِ؟ بكتيريا الإيكولاي كأيِّ كائنٍ تحتاجُ إلى الغذاءِ. افترضْ أنَّ أمامَها جلوكوز "Glucose" وسيترات "Citrate"، أيَّهما ستستعملُ غذاءً؟ إذا كانَت البكتيريا موجودةً في مكانٍ فيهِ أوكسجين، كأمعاءِ الإنسانِ، فإنَّها تتغذَّى على الجلوكوزِ ولا تتغذَّى على السيتراتِ؛ لديْها النَّواقلُ اللَّازمةُ لإدخالِ الجلوكوز عبرَ غشائِها، وليسَ لديها النَّواقلُ اللَّازمةُ لإدخالِ السّيتراتِ.
لينسكي وضعَ هذِه البكتيريا في أنابيبَ مخبريَّةٍ، زوَّدَها بالجلوكوزِ والسّيتراتِ، وكانَ ذلكَ كلُّه في وجودِ الأوكسجين، إذنْ يُفترَضُ أنْ تتغذَّى على الجلوكوزِ فقطْ، معَ ذلكَ، تفاجأَ لينسكي بأنَّ هذه البكتيريا في إحدى مجموعاتِ الأنابيبِ، وبعدَ مرورِ سنواتٍ طويلةٍ نمَتْ وزادَ عددُها بشكلٍ سريعٍ، أسرعَ منَ الأنابيبِ الأخرى، بحثَ عن السببِ، فوجدَ أنَّها استطاعَت تناولَ وهضمَ السّيتراتِ، إضافة إلى الجلوكوزِ، ونشرَ نتائجَه هذِه.
ماذا استنتجَ أتباعُ الخرافةِ؟ استنتجوا أنَّ البكتيريا طوّرَتْ بالطّفراتِ العشوائيَّةِ النَّواقلَ اللَّازمةَ لنقلِ السّيتراتِ عبرَ غشائِها، لتهضمه بعدَ ذلكَ. ومن ثم، فها هيَ الطَّفراتُ العشوائيَّةُ تضيفُ صفةً جديدةً للبكتيريا تساعدُ في تطوُّرِها، وكلُّ هذا في بضعةَ عشرَ عامًا. ومن ثم، بمرورِ ملياراتِ السّنواتِ يمكنُ ألّا تكونَ البكتيريا قد طوَّرت صفاتٍ جديدةً فقطْ، بلْ وتطوّرَت إلى كائناتٍ جديدةٍ، وهذه تطوّرَت إلى غيرِها، إلى أنْ نتجَت عندَنا هذه الملايينُ مِن أنواعِ الكائناتِ الحيَّةِ، وكلُّ ذلكَ بفضلِ الطَّفراتِ العشوائيَّةِ التي انتخبَت منها الطبيعةُ.
بعدَما طارَ أتباعُ الخرافةِ فرحًا بالتَّجربةِ، اصطدمُوا بالجدارِ؛ عامَ (2012) نشرَ لينسكي صاحبُ التجربةِ نفسِهَا في مجلّةِ نَايْتْشرْ "Nature" ما حصلَ بالضَّبطِ في هذه البكتيريا. إنَّه مضاعفةُ الجينِ، التي تقرصنَت على بروموترْ ينشطُ بوجودِ الأوكسجين لإنتاجِ ناقلٍ للسيترات كانَ موجودًا أصلًا ولكنَّه غيرُ مفعّلٍ. ووضّحُوا ذلكَ بهذا الرَّسمِ المهمِّ.
لو مثّلنَا بكتيريا الإيكولاي بهذا الشكلِ، وهذا جزءٌ مّن مّادَّتِها الوراثيَّةِ (الجينوم "Genome"). هذه البكتيريا في العادةِ إذا كانَت في مكانٍ فيهِ أوكسجين، فإنَّها تلتقطُ الجلوكوز، ولا تلتقطُ السّيترات كما قلنَا، لأنَّ الجلوكوز يُنتِجُ لها طاقةً أكثرَ من السّيترات.
حسنًا، كيفَ تمكّنَتْ من التقاطِ الجلوكوز دونَ السّيترات؟ هناكَ موضع في جينوم ِالبكتيريا اسمُها برُومُوتَرْ "Promoter"، تتجمّعُ عندَها قارئاتٌ لتقرأَ الجينومَ بهذا الاتِّجاهِ إلى اليمينِ وبعدَ عمليَّاتٍ مُعقَّدةٍ، تُنتجُ بروتيناتٍ مُعيَّنةً مثلَ نواقل غلوكوز. الأوكسجين يُنشِّطُ هذا البروموتر في حين يُثبِّطُ هذا البروموتر، أي يمنعُ القارئاتِ من قراءةِ جين ناقلِ السّيترات. ومن ثَمَّ لنْ تستطيعَ البكتيريا في وجودِ الأوكسجين أنْ تستفيدَ مِن السّيترات. في تجربةِ لينسكي، كانَت البكتيريا تنمو إلى أنْ تستنفد الجلوكوز.
البكتيريا بشكلٍ عامٍّ كائناتٌ في منتهى المرونةِ، موجودةٌ في كلِّ مكانٍ، تحلّلُ الجثثَ، تنظّفُ كوكبَ الأرضِ، هذِه مَهمّتُها، فتستطيعُ التَّأقلمَ معَ الظُّروفِ المختلفةِ.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 11min - 62 - رحلة اليقين (25) - خرافة نظرية التطور المعدلة (عنزة ولو طارت) - د. إياد قنيبي
أبرزُ التَّعديلات التي أجراها أتباع (داروين) على عناصر نظريته هي محاولة الجمع بين (الانتخاب الطبيعي)، و(مبادئ الوراثة الجينية) أي أنهم أقرُّوا بأنَّ الاستعمال والإهمال لا يُكسبانِ الكائنَ صفاتٍ غيرَ تلك الموجودة أصلًا في المادة الوراثية لأبويه، فالزرافة مثلًا لم يستطل عنقها عبر الأجيال لأنَّها مدَّته للأكل من أعالي الأشجار، كما أقرُّوا بأن الصِّفات المُكتسبة لا يورِّثها الكائن لأبنائه، خلافًا لطروحات (داروين) ولامارك "Lamarck".
إذن ما سبب التغيُّرات المزعوم أنَّها حدثت في الكائنات، وكانت المادةَ الخام للانتخاب الطَّبيعي؟
قالوا: عوامل عديدة، أهمُّها الطَّفرات العشوائيَّة التي قد تقع في المادة الوراثيَّة بفعل الحرارة، موادَّ كيميائيَّة، أشعَّة كونيَّة، هذه الطَّفراتُ أحدثتِ التغيُّراتِ التدريجيَّة البطيئة المتراكمة التي افترضها (داروين)، والطَّبيعةُ قضت على الكائنات التي حدثت فيها طفرات ضارَّة، وأبقت على الكائنات ذات الطَّفرات المفيدة، كمرحلةٍ انتقاليةٍ إلى كائنٍ جديد، وسمَّوا هذا النَّموذج المعدَّل بـ(الداروينيَّة الجديدة) نيوداروينزم "Neo-Darwinism"، أو (النظريَّة التركيبيَّة الحديثة)، التي ساهم في صياغتها دوبنجانسكي "Dobzhansky" وفيشر "Fisher" وماير "Mayr" وهكسلي "Huxley" وغيرهم.
- قالوا ايضا : أولا: كائنٌ بسيطٌ تكوَّن تلقائيًّا من الجمادات
أَدرك من بَعدَ (داروين) أنَّه ليس هناك شيءٌ اسمه كائنٌ بسيط؛ فقد أظهرت المجاهرُ الإلكترونية أنَّ الخليَّة الحيَّة وهي أصغر وحدة بناء، وهي التي كان يراها داروين كلطخة هي في الحقيقة أعقد من أعقد مصنعٍ شيَّده الإنسان، وعملوا مقاطع مرئيّةً ثلاثيَّة الأبعاد؛ لتصوير روعتها، فهل كان ما اكتشفوه من تعقيدِ وإبهارِ وروعةِ تصميم الخليَّة سببًا في الاعتراف بأنَّه لا بدَّ لها من خالقٍ أوجدها بعلمٍ وإرادة، ليصحِّحوا خطأ (داروين) هنا؟
بل خلاصة أقوالهم هو الرُّجوع إلى قول (داروين) أنَّ الحياة نشأت تلقائيًّا من الجمادات، في رِدَّةٍ علميَّةٍ عن الحقيقة المقررة عقليًا، التي أثبتها تجريبيًّا أيضًا لويس باستور "Louis Pasteur"، بل وفرانسيسكو ريدي "Francesco Redi" قبل أربعة قرونٍ من الآن؛ أنَّ الحياة لا تنشأ تلقائيًّا من الجمادات رجَعوا إلى خرافة (داروين) في النُّشوء التِّلقائي، لكن بدل قول (داروين) أنَّ الكائن الأوَّل نشأ تلقائيًّا في (بِركَة)، قالوا: نشأ في (محيط) مع موسيقا وتصوير لإشعارك بهيبة هذه الخيبة، رجعوا لخرافة (داروين) لكن كانوا في ذلك أجهل منه؛ لأنَّ ما رأوه من تعقيد الخلايا أعظمُ ممَّا رآه (داروين).
- الرُّكن الثاني لنظريَّة (داروين): طبيعةٌ تُكسب الكائنَ صفاتٍ جديدةٍ بالاستعمال والإهمال كمثال الزَّرافة.
ظهرَ بطلانُ هذه الخرافة، فاخترعوا بدلًا منها خرافةً أكثر هزليَّة، خرافة أنَّ الطَّفرات العشوائيَّة أي تراكماتِ الأخطاء هي التي أبدعت الكائنات بما فيها من جَمالٍ، وتناسقٍ، وتنوُّعٍ، وتصميم، أي أن تخريب المادَّة الوراثيَّة لكائنٍ ما بفعل الأشعَّة أو السُّمومِ مثلًا، أنتجت منه بعد محاولاتٍ كثيرة كائنًا آخر أرقى، متناسقًا متكامل الأعضاء، وهكذا إلى أن وصلنا إلى ما نرى مِن أكثرَ من (8) ملايين نوعٍ من الكائنات المتناسقة المتكاملة في هذه الأرض.
حتَّى لا يقع أتباع الخرافة في مثل هذا الموقف المحرج مرَّةً أخرى اضطَّروا إلى صناعة أكبر كذبةٍ في تاريخ العلوم الحياتيَّة وهي تسميَّة (التَّكيُّفات) بـ(التَّطوُّر الصُّغروي) "Microevolution"، أي ادِّعاء أن التَّكيُّفات، التي في غاية في الدِّقَّة والرَّوعة والإحكام، تحدث نتيجة طفراتٍ عشوائيَّة وألَّف (دوكينز) كتابه: "أعظم استغباء…" عفوًا، "أعظم استعراض على سطح الأرض: أدلَّة التَّطوُّر" الذي يكذب فيه على قرَّاءه وهو دكتور (بالإنجليزية) الأحياء التَّطوُّريَّة فيحشد أمثلة للتَّكيُّفات البديعة، المشتملة على تفعيل جيناتٍ موجودةٍ أصلًا، على أنَّها ماذا؟ على أنَّها طفراتٌ عشوائيَّة، في كذبٍ سمجٍ مفضوح.
الرُّكن الثَّالث لنظريَّة (داروين): هو توريث الصِّفات المكتسبة بالاستعمال والإهمال
فالدُّب الذي اتَّسع فمه سنتيمترًا واحدًا ليلتقط به الذُّباب أثناء استجمامه في البحر، ورَّث هذا السنتيمتر لأولاده إلى أن اتَّسع الفم أكثر فأكثر، وتحوَّل دبُّنا إلى حوت وهذا كلُّه عن طريق الجيميولز "Gemmules" التي اقترح (داروين) أنَّ كل خلايا الجسم تفرزها؛ لتؤثِّر على الخلايا التناسليَّة وسمَّاها بنظريَّة بان جينيسيس "Pangenesis".
الرُّكن الرَّابع لنظريَّة (داروين): هو تغيُّراتٌ طفيفةٌ تدريجيَّةٌ متراكمة تقود من كائنٍ إلى آخر بالانتخاب الطبيعي الذي يعمل بطريقة طائرة العميان، كما شرحنا في الحلقة الماضية
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 06 Jun 2024 - 17min - 61 - رحلة اليقين (24) - نظرية التطور، نظرية داروين بإنصاف - د. إياد قنيبي
في هذه الحلقة نُقيِّم معًا أهمَّ أركان ما يُعرَف بنظريَّة التَّطور لداروين.
تشارلز داروين "Charles Darwin"هو باحثٌ إنجليزيٌّ في تاريخ الأحياء الطَّبيعيِّ، ذكَر مشاهداتٍ كثيرةً جَمَعها في رحلاته ونقلها عن آخرين؛ كالتَّشابه الشَّكليِّ والتَّشريحيِّ بين أنواعٍ مختلفةٍ من الكائنات، وأنماطِ توزُّعها الجغرافيِّ، وبنى عليها افتراض أنَّ كلَّ الكائنات الحيَّة أتت من أصلٍ مشتركٍ؛ مرَّ بعمليَّات تطوُّرٍ وتنوُّعٍ، بحيث يتغيَّر الكائن تغيُّراتٍ بسيطةً متراكمةً، ثُمَّ الطَّبيعةُ تُغربِل؛ فالتَّغيُّراتُ المفيدة تُبقيها الطَّبيعة وينتُج عنها نوعٌ جديدٌ من الكائنات بمرور آلافِ السّنين وملايينها! في حين قَضَتِ الطَّبيعة حسب داروين على عددٍ لا حصر له من الكائنات الانتقاليَّة، الَّتي حدثت فيها تغيُّراتٌ ضارَّةٌ أو غير نافعةٍ.
بالإضافة إلى دور الغربلة، افترض داروين أنَّ الطَّبيعة أسهمت في إحداث صفاتٍ جديدةٍ في الكائنات؛ بحيث عندما يكتسب الحيوان صفاتٍ مُعيَّنةً نتيجة بيئته فإنَّه يُورِّث هذه الصِّفات إلى أولاده، مُتَّفقًا بذلك مع افتراض لامارك "Lamarck" أنَّ الزَّرافة الَّتي تمتاز برقبةٍ طويلةٍ جدًّا كانت في يوم من الأيَّام برقبةٍ قصيرةٍ، ولكن مع تغيُّر الظُّروف الطَّبيعيَّة من حولها واضطرارها لمدِّ عنقها حتَّى تأكل من أعلى الشَّجر ظلَّ عنقها يستطيل جيلًا من بعد جيلٍ، حتَّى صارت إلى ما صارت إليه اليوم.
نشر داروين أفكاره هذه عام 1859م في كتابٍ بعنوان: (حول أصل الأنواع) (On the Origin of Species) ثمَّ أراد أن يُعطي آليَّةً تفصيليَّةً لتوارثِ الصِّفات المكتسَبة فنشر بعد أعوامٍ من كتابه (أصل الأنواع) فرضيَّته الَّتي سمَّاها شموليَّة التَّخلُّق "pangenesis"؛ والَّتي افترض فيها أنَّ الطَّبيعة عندما تؤثِّر على خلايا الكائن فإنَّ هذه الخلايا الجسميَّة تُفرز موادَّ صغيرةً سمَّاها داروين جيميولز"Gemmules" والَّتي تتركَّز في الأعضاء التَّناسليَّة للكائن لتنتقل إلى ذرِّيَّته.
ومن أين جاء الأصل المشترك يا داروين؟! من أين جاء الكائن الأوَّل؛ الَّذي بَنَيْتَ عليه أفكارك، ونَسبت إليه الكائنات الحيَّة كلَّها؟!
لم يُبيِّن داروين في كتابه! لكنَّه نصَّ في مراسلاته مع عالِم النَّبات جوزيف دالتون هوكر "Joseph Dalton Hooker" على أنَّ رؤيته هي: أنَّ أوَّل كائنٍ نشأ في بِركةٍ دافئةٍ من عوامل كالضُّوء والحرارة والكهرباء، أي أن داروين اتَّفق بذلك مع فكرة "التَّوالُد الذَّاتي" الَّتي كانت شائعةً في عصره؛ حيث كان يُظَنُّ أنَّ الكائنات الحيَّة يمكن أن تتشكَّل تلقائيًّا من الجمادات، كان يُظَنُّ مثلًا أنَّ الحشرات تنشأ من بقايا الطَّعام، وأنَّ يَرَقات الذُّباب تنشأ من قِطع اللَّحم المتعفِّنة.
هذه باختصارٍ هي أركان نظريَّة التَّطوُّر لداروين: كائنٌ حيٌّ تولَّد بطريقةٍ ما من الجمادات، طبيعةٌ تُكسِب الكائن صفاتٍ جديدةً يمكن أن تحوِّلَه من نوعٍ لآخر، الصِّفات المكتسَبة تُورَّث، والطَّبيعة تَنتخِب بشكلٍ تراكميٍّ؛ وصولًا إلى كائناتٍ أرقى، فتُركِّب نُظُمًا حيويَّةً معقَّدةً من تغيُّراتٍ بسيطةٍ متعاقِبةٍ، والاستنتاج أنَّ الكائنات الحيَّة نشأت "evolved" دون قصدٍ ولا إرادةٍ مِن فاعلٍ مُريدٍ مختارٍ يعلم ما يفعل.
والآن...ما هو التَّقييم العام لتلك الأركان الَّتي بنى عليها داروين هذه النَّتيجة؟
والحقيقة أنَّ التَّولُّد الذَّاتيَّ ساقطٌ عقلًا أصلًا؛ أن تتصوَّر كائنًا حيًّا ينشأ هكذا تلقائيًّا من الجمادات! ومع ذلك أصرُّوا أن يجرِّبوا! جرَّبوا، فسقطت الخرافة بالعلم التَّجريبيِّ، بالإضافة إلى العقل.
وأمَّا إحداث الطَّبيعة لصفاتٍ جديدةٍ في الكائن عن طريق الاستعمال والإهمال كمثال رقبة الزَّرافة، فخرافةٌ سقطت أيضًا باكتشافات غِريغور مندل "Gregor Mendel"، الَّذي أثبت بعد داروين بسنواتٍ أنَّ الصِّفات الوراثيَّة للأبناء مهما تعدَّدت فهي لن تَخرُج عن الموجود أصلًا في الآباء، وسقطت كذلك باكتشافات الوراثة فوق الجينيَّة "epigenetics"؛ الَّتي بيَّنت أنَّ العوامل الخارجيَّة والبيئيَّة يمكن أن تُغيِّر طريقة قراءة المادَّة الوراثيَّة في كائنٍ ما؛ لتفعيل صفةٍ كانت كامنةً أو إخماد صفةٍ كانت منشَّطةً، لكنَّها لا تُضيف مادَّةً وراثيَّةً لم تكن موجودةً أصلًا.
وأمَّا توريث الصِّفات المكتسَبة؛ فخرافةٌ ساقطةٌ بالمشاهدة العاديَّة؛ فعضلات الحدَّاد والنَّجَّار-مثلًا- الَّتي اكتسباها في حياتهما لا تُورَّث إلى الأبناء، ومع ذلك أصرَّ أتباع داروين أن يجرِّبوا! جرَّبوا، وظلَّ فايزمن "Weismann" يقطع ذيول 19 جيلًا من الفئران ليُفاجأَ المسكين بعد طولِ تعبٍ، بولادة أبنائها كلَّ مرَّةٍ بذيولٍ من جديد! أي لم تنتقل الصِّفة المكتسبة وهي الذَّيل المقطوع إلى الأبناء.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 03 Jun 2024 - 13min - 60 - رحلة اليقين (23) - كيف نفكر؟ - د. إياد قنيبي
السَّلام عليكم.
نظرياتٌ علميةٌ كثيرة، اكتشافاتٌ حديثة، يتمّ تفسيرها بطرقٍ مختلفة، فهناك من يقول أنّها تهدّدُ الإيمان، وآخر يردّ بأنّها لا تتعارضُ مع الإيمانِ، وثالثٌ يقول بَلْ هي تدعمُ الإيمان.
كيفَ نعرف؟
هل بالفعل: [التطور حقيقة، مثل أن الأرض تدور حول الشمس]؟
أم أنّها خاطئة؟ [فسنبيّن لكم بسلسلةٍ من الحلقاتِ أخطاءَ نظريةِ التطوّرِ من منطلقٍ علميّ بيولوجيّ، من أفضلِ الكتبِ العلميّةِ الأمريكيّة التي حازت على أعلى نسبةِ تقييمٍ على موقع أمازون "Amazon"].
أم أنّ الله خلقَ الكائناتِ من خلالِ التطوّر؟
[وتكون النتيجة أن نقبل التطوّر، ونقبل أن يكون الذي حرَّكه والذي وجّهه
هو مصدر ذكي، مطلق الذكاء...]
أم أنّ التوفيقَ بين التطوّرِ والإسلامِ فيه تحريفٌ للآياتِ والأحاديث؟
[عندما تقول أن نظرية التطوّر يمكن تأويل بعض النصوص لموافقتها، أنت بذلك تُنْزِل النصّ الديني من مقصورة القيادة إلى قفص التبعيَّة].
هل نظرية الكمّ "Quantum Theory" هي بالفعل:
[نظريّةٌ من أنجحِ ما هو موجودٌ إلى الآن، رغم غرابتها، رغم أنّها تصوِّر لنا العالَم على أنّه موجةٌ وجُسَيْم في نفس الوقت، واحتمالي، ولا نستطيع أن نتنبّأ...]
أم أن هذه الاستنتاجات التي يبنونها عليها خاطئة؟
[تسمع الكثير من الكلام الذي يقول أن ميكانيكا الكم تعني أن كل الأشياء متصلة بعضها ببعض، لكن هذا ليس صحيحا تماما، فالأمر أعقد من ذلكٍ].
هل بالفعل: [لكن في الحقيقة، اللاشيء يمكن أن يصبح شيئا].
أم أن هذا الكلامُ هو كما يقولُ الآخرُ؟
[هم يسمون ذلك علمًا ويضعونه في الكتب العلمية،
أما أنا، فأسمّيه غباءً وأضعه في القمامة!]
هل بالفعل: [لا يوجد تصميم، بالانتخاب الطبيعي..
هذه العملية كلُّها، ولذلك بالفعل يكون أعمى، أكيد هو أعمى، ليس قوى عاقلة أو مثل ذلك، وتعرفُ عندها مبدأً وقانونًا تشتغل عليه، وخطّةً، وبرنامج عملٍ. لا لا
هذا الكلام ليس موجودا أبدًا!
هذا الكلام ليس موجودا أبدًا، ولذلك توجد عيوب في الخليقة، ستجد حتّى في تركيب الإنسان عيوبا..]
أم كما يقول الآخر: [حقيقةً ما يبهرني كلمّا أعاين مريضًا أو أعالج مرضًا، التصميمُ البارعُ الذي لا شكّ أنّ خلفه مصمّم قادر، وبارع، ومبهر..]
وهل بالفعل: [إذن ليس الموت كما تتخيّل، شيئًا لازمًا أن يحصل، الموت يمكن أن يُمنع، لكنّ المسألة مجرّد مسألة وقتٍ فحسب..]
تعالوا في هذه الحلقاتِ إخواني نضعُ معًا المسطرةَ التي نقيسُ بها، لنعرفَ الحقَّ من الباطلِ، نضبطُ البوصلةَ، نرتِّب أفكارنا، لننظرَ للأشياءِ بطريقةٍ علميّةٍ.
بعدَ ذلكَ، أنتَ قرِّرْ بماذا تقتنعُ، أو لا تقتنع، لكنْ على أساسٍ علميٍّ قويٍّ، دونَ أن تدَعَ أحدًا يخدعك.
لذلك فسلسلتنا هذه منهجيّة، تؤسِّس لمنهجٍ في التفكير.
لكن حتى لا يكونَ كلامنا عن قواعدِ التفكيرِ الصّحيحِ جافًّا فلسفيًا، نريدُ مثالًا عمليًا نطبِّقُ عليهِ هذه القواعد.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 03 Jun 2024 - 08min - 59 - رحلة اليقين (22) - الشيفرة المحيرة - د. إياد قنيبي
أيُّها الكرامُ، في الحلقةِ الماضيةِ رأيْنا الطُّولَ المَهُولَ للمادةِ الوراثيَّةِ في جسمِ الواحدِ منَّا.
اليومَ سنرَى ما هو أعْجبُ!، سنرى كيفَ تُتَرجمُ هذه المادَّةُ الوراثيَّةُ إلى شحمٍ ولحمٍ ودمٍ، شاهدٌ آخرُ على صُنعِ اللهِ الَّذي أتْقنَ كلَّ شيءٍ.
الموضوعُ ليسَ سهلًا، وقد يبدُو في البدايةِ عِلميًّا جامدًا، لكنَّهُ مهِمٌّ للغايةِ، فأنصحُ جدًّا بالصَّبرِ إلى النِّهايةِ، وستكُونُ الفائدةُ عظيمةً -بإذنِ اللهِ-.
كيفَ تتِمُّ ترجمةُ الجِينِ إلى بروتينٍ؟
الجِينُ أشبهُ ما يكونُ بأحرُفٍ مَقروءةٍ، والبروتينُ جُسَيْمٌ حقِيقيٌّ مَبنيٌّ من مجموعةِ أحماضٍ أمِينيَّةٍ، أي مجموعةُ أحماضٍ أمينيَّةٍ متَّصلةٍ ببعضِها تشكِّلُ البروتينَ.
ما هي هذه العمليَّةُ الَّتي تبدُو وكأنَّها عاقِلةٌ، فتقرأُ الأحرُفَ وتفُكُّ ترميزَهَا وتُصَنِّعُ
البروتينَ على أساسِها؟
تأتِي قارئاتٌ إلى الجِينِ المُرادِ ترجمتُه تحديدًا، هذه القَارئاتُ عبارةٌ عن مجموعةٍ من الُجسَيماتِ المُتجمِّعةِ، تأتِي فتَفُكَّ خَيْطَي المادَّةِ الوراثيَّةِ (دي إن ايه) "DNA" عن بعضهما وتَقرأُ أحدَهُما فتُصَنِّعُ شريطَ: (آر إن ايه) "RNA" متناسبًا معهُ.
هذه الجُسَيماتُ التي تُشبهُ المَطارِقَ هي عِبارةٌ عن نيوكليوتيداتٍ مختلفةٍ موجودةٍ في نواةِ الخليَّةِ، تَصُفُّها القَارِئَاتُ على حسبِ الجينِ، أي تتَّخِذُ الِجينَ كقالَبٍ تُشَكِّلُ على أساسِه شريطَ النُّسخةِ.
بعد ذلكَ تَخرجُ النُّسخةُ خارجَ النَّواةِ، فيأْتِي عاملٌ والَّذي في حالةِ الخليَّةِ يُسمَّى رايبوزومًا "Ribosome" ليقْرأَ النُّسخةَ ويُصنِّعَ وحدةَ بناءٍ على أساسِها.
هنا تأتِي عُقدةُ تحويلِ النُّسخةِ إلى بروتيناتٍ، النسخةُ مكونَّةٌ من نيوكليوتيداتٍ، أي من حُروفٍ من كَلامٍ، والبروتينُ مُكوَّنٌ من أحْماضٍ أمينيَّةٍ، أي من مادَّةٍ حقيقيَّةٍ.
كيفَ سَيسْتطيعُ هذا العاملُ الرَّايبوزومُ أنْ يَبنيَ بروتينًا من قراءةِ شريطِ نيُوكليُوتيداتٍ؟
لذلك نقولُ إنَّ البروتينَ النَّاتجَ مُرَمَّزٌ في المادَّةِ الوراثيَّةِ، أي أنّ المعلوماتُ اللَّازمةُ لصناعتِهِ مُخزَّنةٌ في المادَّةِ الوراثيَّةِ بلُغةٍ خاصَّةٍ، وتحتاجُ قارئاتٍ قادرةً على فكِّ الرَّمز.
تَكَوَّنَ البروتينُ -أي وحدةُ البِناءِ-، فتَتلقَّفَهُ مُعرِّفاتٌ خاصَّةٌ تقُودُهُ إلى المَكانِ المناسبِ له في الخليَّةِ، مِثلَ مَا يقومُ العُمَّالُ بوَضعِ وحداتِ البناءِ في المكانِ المناسبِ من المدينةِ.
مثلًا، هُناكَ بروتيناتٌ تتجمَّعُ لتُشكِّل حُزَمًا، هذهِ الحُزَمُ تُشكِّلُ ما يُشْبهُ شَبكةَ الطُّرقِ داخلَ الخليَّةِ.
بروتيناتٌ أخرَى تُخزَّنُ داخلَ حُوَيصلاتٍ كبيرةٍ، تنقُلُها بروتيناتٌ أخرَى أيضًا تُسمَّى البروتيناتِ النَّاقلةَ "Motor Proteins"، مُتَّخِذةً الحُزَمَ المذكورةَ كطريقٍ تَسيرُ عليه.
كلُّ شيءٍ يَهتدي إلى مكانهِ المناسبِ.. ﴿رَبُّنَا الَّذي أَعطى كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدى﴾
فَاسْألْ نفسَكَ: من أَبْدعَ هذا كلَّهُ؟
يُجِيبُكَ الإلحادُ: إِنَّه اللَّاشَيءُ.. العَدمُ!
العدمُ أَوجدَ النيوكليوتيداتِ ورَتَّبها على شكلِ جِيناتٍ مُنتَظمةٍ.
العدمُ رَصَّ هذا الكَمَّ الهائِلَ من المَعْلوماتِ، ورَصَّها مُشفَّرةً داخلَ نواةٍ صَغيرةٍ جدًّا.
إنَّه العَدَمُ، أوْجدَ القَارئاتِ التي تَتوجَّهُ إلى الجِينِ المَطلوبِ تَحديدًا وتُصدِرُ منهُ نُسخةً.
ثمَّ العدمُ أَخْرجَ النُّسخةَ من النُّواةِ إلى سَائلِ الخليَّةِ.
ثمَّ العدمُ أَوْجدَ الرَّايبُوزُوماتِ التي تَفكُّ الرَّموزَ الوراثيَّةَ وتُحوِّل ما يُشبهُ الأحرُفَ المرصوصَةَ إلى البرُوتينِ المطْلوبِ، مُستعينةً بالنواقلِ.
ثمَّ العدمُ ساقَ البروتينَ النَّاتجَ إلى مكانِهِ المُناسبِ في الخَليَّة.
إِنَّهُ العدمُ، أَوجدَ ذلك كلَّهُ، وأوْجدهُ صُدفةً!
بَلِ المَسألةُ مسألةُ وقتٍ، بَلايِينُ السِّنينِ، يُجرِّبُ فيها العَدمُ خَبْطَ عشواءَ، فَيخْلقَ هذا كُلَّهُ من لَاشَيْءَ، ويُنظِّمَهُ، في هَذا النِّظامِ الرَّائعِ البَديعِ..!
أَتَعْلمُونَ إِخواني قدْ كنتُ أَسيرُ في تَحضِيرِ حَلقاتِ رِحلةِ اليَقينِ إلى أنْ وَصلتُ إلى نماذجِ الإِتقانِ في الخَلقِ، فتجمَّدتُ عِندها وتَردَّدتُ، وانْعَقدَ لسَانِي وجَفَّ حِبْرُ بَيَانِي؛ لأنَّنِي حَقيقةً بِقَدرِ مَا أسْتحْضِرُ عَظمةَ اللهِ في أَيَّةِ زَاويةٍ من زَوَايَا خَلقِه، فَإنَّنِي لا أسْتسِيغُ فِكرَةَ مُحاولةِ إِقناعِ أحدٍ، أنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا بُدَّ لَه مِن خَالقٍ!
لكنْ، معذرةً إلى ربِّكُم ولعلَّهم يتَّقونَ.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 03 Jun 2024 - 10min - 58 - رحلة اليقين (21) - ملحق لحلقة 20 حساب طول المادة الوراثية - د. إياد قنيبي
السَّلام عليكم.
الإخوة الكرام، هذا المقطعُ مُكمِّلٌ للحلقة الـ (20) من (رحلة اليقين)، والمُعَنْوَنة بـ(العجيبةُ التي لا تكادُ تُصدَّق: طولُ المادَّةِ الوراثيَّةِ في جسمك).
الهدفُ من مقطعنا هذا هو زيادةُ التَّوثيقِ للمعلوماتِ الغريبةِ الواردة هناك.
كيف وصلت الأبحاثُ إلى هذا الرَّقم المَهُوْل؟
(20 مليار) كيلومتر من المادَّة الوراثيّة في جسمك!
ذكرنا الدِّراسة المنشورة عام (2013) في مجلَّة "Annals of Human Biology"، والتي لخَّصت تقديراتِ (30) كتابًا ودراسةً سابقةً لعددِ خلايا الجسم.
تُلاحظون أنَّ التَّقديرات متفاوتةٌ جدًا، من 10 قوة 12 (1012) خليّة أي تريليون إلى 10 آلاف تريليون.
حسنًا، الاختلافُ كبير، نريد رقمًا أكثر تحديدًا.
لا بأس، لذلك فدراسة (2013) أجرت أيضًا استقصاءًا لعشرات الدِّراسات الأخرى لتقدير عدد الخلايا في كل عضوٍ من أعضاءِ الجسمِ، كما في هذا الجدول.
وهنا عندنا الانحراف المعياري أي (+/-) عن العدد.
جَمعت دراسةُ الـ(2013) هذه الأعداد كلَّها، فاستنتجَتْ أنَّ عددَ خلايا جسمِ الإنسان حوالي (37.2) تريليون، وهو أقرب إلى التَّقديرات المتواضعة نسبيًا لعدد خلايا الجسم.
حسنًا، كيف حسبوا طولَ المادَّة الوراثيَّة في الخليَّةِ الواحدةِ؟
الحساب هنا سهلٌ نسبيًّا: طول البيس بير"Base Pair" -وهو الوِحدة الصُّغرى
المكوِّنة للمادَّة الوراثيَّة- ضرب عدد البيس بير، والنَّتيجة هي 2 متر، وهو رقمٌ مُتَّفق عليه إلى حدٍّ كبيرٍ بين الدِّراسات أقلَّ بقليلٍ أو أكثر بقليلٍ كما في الجدول الذي عرضناه من موسوعة "The Physics Factbook"، وكما في كتاب "Molecular Biology of the Cell".
ذكرتُ في الحلقة أن هناك مواقع تذكر تقديرات أعلى مثل "Scitable"، ولم أجد أيَّ مرجعٍ آخر يعطي حساباتٍ تَصِلُ إلى نتيجةٍ أقلّ.
قد يقول قائلٌ: "بل هناكَ مراجع تتكلم عن طولٍ أقل"، والجوابُ أنه ليس أيٌّ مِن هذه المواقع يَذْكُر حساباته التي على أساسها وصل إلى هذه النتيجة.
أُعيد التَّأكيد على أنَّ الطُّول الحقيقيّ قد يكون أكثر من (20) مليار كيلومتر، خاصةً وأنَّ بعض الخلايا في الجسم أوكتابلويد "Octoploid"، أو تترابلويد "Tetraploid" أي فيها أكثر من نسخةٍ من المادَّة الوراثيَّة، كما أنَّ مُوَلِّدات الطَّاقة في الخليَّة ميتوكوندريا "Mitochondria" فيها مادَّةٌ وراثيةٌ أيضًا، وهذه لم تُؤخذ في الحسابات.
هذه المادَّة الوراثيَّة إخواني مرتَّبةٌ بطريقةٍ عجيبةٍ، كما في الأنْوِيَة، كما لو نظرنا لها من مسقطٍ رأسيٌّ، هذا خيطُ المادَّة الوراثيَّة ملفوفًا حول الهيستونات "Histones".
فسبحانَ الله ربِّ العالمين..
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 03 Jun 2024 - 02min - 57 - رحلة اليقين (20) - العجيبة المذهلة طول المادة الوراثية في جسمك - د. إياد قنيبي
أيُّها الأحبَّة، ذَكَرْنا أنَّنا سنتناول أمثلةً من هذا الكون المُتقَن.
سنبدأ اليوم بالمادَّة الوراثية في أجسامنا.
الكلامُ الذي ستسمعونه في غايةِ الغَرابةِ، لذا سأوثِّق لكُم المعلوماتِ بأفضلِ ما يمكن.
قال الله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾
جسمك مُكوَّنٌ من خلايا، الخلية هي أصغرُ وِحدةٍ حيّة.
في سُلاميَّة الإصبع الصغيرة هناك مئات الملايين من الخلايا، كلُّ خليَّةٍ من خلايا الجسم يصِلُها الأكسجين والغذاء وتتخلَّص من فضلاتها، وكلٌّ منها عالَمٌ قائمٌ بحدِّ ذاته.
سنتكلَّم اليوم عن نُواتها تحديدًا، جزءٍ صغير داخلَ هذه الخليَّةِ الصغيرةِ.
تعالوا ندخل إلى داخل النواة..
هذه النواة تحتوي على المادَّة الوراثية (دي إن إيه) "DNA"، والتي تَحْمِل صفاتك الوراثيَّة على شكل جينات؛ جينٌ مسؤولٌ عن لون العينين، جين مسؤولٌ عن إنتاجِ الأنسولين، وهكذا...
هذه المادَّة الوراثية المؤلَّفة من جينات مرتَبةٌ على شكل كروموسومات، وهذا كروموسومٌ واحد، كل واحدٍ فينا نحن البشر لديه(23) زوجًا من الكروموسومات، كلُّ زوجٍ فيه كروموسوم موروثٌ من الأب، وآخر من الأمّ.
نواة الخلية الصغيرة، لو أخذنا الـ (23) زوجًا من الكروموسومات فيها وفرَدْنا (الـدي إن ايه) المضغوطَ فيها ووصلناه ببعضه، فإنَّ طوله الكليَّ سيكون حوالي(2) متر لكل نواة، كما في موسوعة "The Physics Factbook" والتي تُقارن طولَ (الـدي إن ايه) في نواةِ الخليّةِ الواحدةِ من عِدَّة مَراجِع.
هذا طولُ المادّةِ الوراثيّةِ في نواةٍ واحدةٍ في خليةٍ واحدة!
حسنًا، نحن قُلنا: كم خليةً عندنا في الجسمِ؟
حوالي (37.2) ترليون، اطرحْ منها كرياتِ الدّمِ الحمراءِ والصّفيحاتِ الدمويَّة، لأنَّه ليس فيها نواة، يبقى عندنا حوالي (10) ترليون خليَّة فيها نواة، اضرب (2) متر طول الـدي إن آي في الخليَّة الواحدة بـ (10) ترليون -عددُ خلايا جسمك-، فالنتيجة ستكون رقمًا مهولًا جدًّا جدًّا..
دعونا من أرقامِ هذا الموقع المضاعَفة، فلنبقَ مع التقديراتِ الأقلّ لطول المادَّة الوراثيِّة، مع الـ (20) مليار كيلومتر، حتى نقرِّب معنى هذا الطول أكثر.
تَصوَّر معي الكرةَ الأرضيَّةَ التي نعيشُ عليها، بسهولها، وجبالها، ووديانها، وغاباتها، وبحارها، ومحيطاتها، وصحاراها...
هذه الكُرة الأرضيَّة أصغرُ منَ الشمسِ بحوالي مليون مرّة، محيطُ دائرةِ الشمسِ يُقدَّر بـ (4) مليون و(370) ألف كيلومتر، بينما طول (الـدي إن ايه) في جسمكَ(20) مليار كيلومتر، أي (20) ألف مليون كيلومتر، أي يكفي ليلتفَّ حولَ الشمسِ مرّاتٍ كثيرةٍ جدًّا، أكثر من (4500) مرَّة.
والغَرابةُ لا تقفُ عند هذا الحدِّ -إخواني-، بل هذه بدايةُ قصّةٍ تَعقِدُ اللِّسان، الغَرابةُ عندما تَعْلَم أنَّ هذه المادَّة الوراثيَّة ليست مرصوصةً بهذا الشكل وانتهت القِصَّة، بل تتعرَّضُ أجزاءٌ منها على مدار السّاعةِ لعمليَّات قراءة.
مثلًا أنتَ انجرحت، التئامُ جرحكَ يحتاجُ إلى عمليَّاتٍ كثيرةٍ، منها إنتاجُ بروتين الكولاجين الذي سيُرمَّمُّ الجرح، تَذْهبُ جسيماتٌ خاصَّةٌ فتستهدفُ الجيناتِ المسؤولة عن الكولاجين تحديدًا وسطَ هذه الخيوطِ الطويلةِ جدًّا من المادَّة الوراثيَّة، فتَقرأ الجينات، وينتج عن هذه القراءة كولاجين.
فالمادَّة الوراثيَّة ليست خيوطًا جامدةً ميِّتةً مرصوصة، بل نشطةٌ متفاعلة.
اسألْ من ينكرُ ربَّه: من أبدعَ جسمكَ بهذا الشكلِ؟!
سيجيبك: إنّه اللاشيء!، العدم هو الذي أوجَد جسمك، وجعل ملايين ملايين الخلايا فيه تتمايز، خلايا للعظمِ، وأخرى للَّحمِ، وثالثة للأعصابِ، وخلايا دهون، وخلايا دم، وغيرها...
إنَّه اللاشيء، أوجَد الهرمونات اللَّازمة لانقسام الخلايا وهِداية كلٍّ منها إلى مكانه المناسب.
اللاشيء هو الذي فعل ذلك.. وفَعَله كلَّه صُدفةً!
إنَّه اللاشيء، رصَّ المادَّة الوراثيَّة في خلاياك بهذا الشكل العجيب..
إنَّه اللاشيء، أوجدَ المادَّة الوراثيَّة ولفَّها حول الهستونات، والتفَّت هذه بدورها حول بعضها وتثنَّت والْتَوَت، بشكلٍ مُنظَّمٍ، لتنفكَّ عند الحاجة بشكلٍ منظَّم مُتقَنٍ بديع، واللاشيء فعل ذلك كلَّه صُدفةً!
أما نحنُ فنقولُ: ﴿هَـٰذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 03 Jun 2024 - 08min - 56 - رحلة اليقين (19) - العظمة في كل مكان - د. إياد قنيبي
نعم، مِن السَّهل أن تتكلَّم عن إتقان الخَلْق؛ لأنَّه لو مُثِّلَتْ أنواعُ الكائنات أمامكَ على جدار غرفتكَ في لوحةٍ كبيرةٍ تحتوي كلُّ نقطةٍ منها على صورةٍ لكائنٍ أو جزءٍ منه، ثّم أغمضتَ عينيكَ ووضعت إصبعك عشوائيًّا على أيَّة نقطةٍ، فإنَّ بإمكان العِلْمِ أن يُحدِّثك لساعاتٍ عن عظَمة الإتقان والإحكام في هذه النُّقطة!
لكنْ في الوقت ذاته هناك صعوبةٌ في الحديث عن الإتقان؛ صعوبةٌ لأنَّ الحديث عن نموذجٍ ونموذجين أو عشرةٍ وعشرين من الإتقان يهضِم الموضوعَ حقَّه.
فالإتقان مبثوثٌ في كلِّ تفصيلٍ من تفاصيل هذا الوجود، بل الإتقان يساوي الوجود، قال الله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
وقال: ﴿ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾
لذلك فعندما أقول لك: تعال نرَ نماذج من الإتقان، فهذا يساوي أن أقولَ لك: تعال
نرَ نماذج من الوجود، فالإتقان يساوي كلَّ شيءٍ في الوجود.
إتقان الخَلْقِ يظهرُ في تَهْيِئةِ لساني وفكَّيَّ وأسناني لأستطيعَ التحدُّث لكم عن الإتقانِ في الخَلْق..
يظهرُ في إبصاركم لي وسماعِكم صوتي وفهمِكم كلامي، واحتفاظكم في ذاكرتكم بما أقول..
يظهر حتَّى في حركاتِ المُنكِر الذي يتأهَّب ليَسخَر، أو يُكذِّب ما أقولُ، مع أنَّ كلَّ العمليَّات التي يقوم مِن خلالها بذلك تشمل إتقانًا في تفاصيل خَلْقه..
نحن لا نُقدِّر حالةِ الإتقانِ والنظامِ والإحكامِ التي نعيش فيها، لأنَّنا لم نجرِّب البديلَ عنها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ [القرآن 35: 44]، آيةٌ عظيمةٌ حقًّا!
أكثر مِن تسعين عنصرًا طبيعيًا مُكتشَفًا في هذا الوجود، رُتِّبت نيوترونات كلٍّ منها وبروتوناتُه في أنْوِيَةٍ محدَّدة الحجم بدقّةٍ، تجذِب الإلكترونات في مداراتٍ بالأبعادِ اللّازمة، هذه العناصر تفاعلت بقوانين كيميائيةٍ ثابتةٍ لتعطيَ مُركَّبات، فتهيَّأت الفرصةُ للحياة.
غلافٌ جويٌ بالارتفاع والكثافة المناسِبَينِ، يحتوي غازاتٍ بالنِّسب اللازمة، وينقل الموجات الصوتيَّة بسرعةٍ مضبوطةٍ.
تربةٌ مهيَّأةٌ لاستقبال البذور واختزان ماء الأمطار.
ماءٌ بِلُزوجةٍ وخواصِّ إذابةٍ محدَّدةٍ، يتبخَّر عند درجة حرارةٍ معيَّنةٍ ليُشكِّل السُّحب، ويتكثَّف عند درجةٍ أخرى ليهطل مطرًا، وكلُّ ذلك بالمقادير المناسبة لدورته في الطبيعة.
ضوءٌ يسيرُ بالسُّرعة المناسبة.
جاذبيةٌ أرضيةٌ بالمقدار اللّازم، بحيث لا نَسبحُ في الهواء، ولا تلتصقُ أقدامنا في الأرضِ.
أرضٌ تدور بسرعةٍ دقيقةٍ لليلٍ ونهارٍ يتعاقبان للنَّوم والعمل.
فصولٌ أربعةٌ تجدِّد النَّفس وتُحيي الثمار.
بُعدٌ دقيقٌ للشَّمس، فلا تُحرقنا ولا نتجمَّد.
آلاف المليارات من الكواكب والنجوم، تسير بسرعةٍ مناسبةٍ في مداراتٍ محدَّدةٍ بدقّةٍ شديدةٍ، فلا تصطدم.
نشأنا ونحن نرى الكون هكذا، فاعتدنا عليه، ولا نتصوَّر كم هو مذهلٌ مدهشٌ، لأنَّنا لم نرَ حالةً ليس فيها نظامٌ.
نحن نعرفُ معنى الشَّبعِ لأنَّنا جرَّبنا الجوعَ، نعرف معنى الرَّاحةِ لأنَّنا جرَّبنا التَّعبَ،
وبضدِّها تتميَّزُ الأشياءُ.
لكنَّنا لا نُقدِّر عظَمة النِّظام والإتقان لأنَّنا لم نر حالةً ليس فيها إتقانٌ، بمعنًى آخر: لا نُقدِّر عظَمة وجود الله لأنّنا لم نجرِّب حالةً ليس فيها الله.
لذلك فعندما نَذْكر في هذه السلسلة ما يقوله الإلحاد، فإننا نرسم الظلامَ حتى نستطيع أن ندركَ قيمةَ نورِ اللهِ بالمقارنة به، نرسم الظَّلامَ الذي لم نشاهده يومًا ولن نشاهده، ظلامَ عدم وجود الله.
نحن نُعتّم صورة الكونِ الكليَّةِ، ونتركُ النورَ في هذا الجزءِ المحدَّدِ، لنستطيعَ أن نراه ونعطيه شيئًا من قَدْره بعدما ألِفناه طويلًا ولم نحسَّ بالعظَمةِ في إتقانه.
ما ذكرناه وما لم نذكرهُ من قوانينَ ضابطةٍ تسمح بالحياة، لو اختلَّ شيء منها ولو بمقدارٍ ضئيلٍ لما بقيتْ حياةٌ، ولزالتْ حالة النِّظام والتناسق في الكون.
مَن يُمسك الجسيماتِ في الذَّرَّاتِ أن تتناثر؟!
مَن يُمسك طاقةَ الذرَّات أن تتحرَّرَ وتتفجَّرَ كما تتحرَّرُ الطاقةُ في القنابلِ الذريَّة؟!
مَن يُمسك المخلوقاتِ على الأرضِ أن تتطاير؟!
مَن يُمسك الكواكبَ والنجومَ أن تصطدمَ؟!
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 03 Jun 2024 - 11min - 55 - حُكم وحِكمة (8) - الغربة الداخلية مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة عن الغربة الداخلية في ظل الانشغالات وتطور التكنولوجيا التي قطعت أواصر التواصل بين أفراد العائلة والمجتمع.
ويستكمل الحلقة بحوار مع الدكتور أحمد بسام ساعي الذي يتحدث عن أهمية بناء روابط أسرية متينة، ويوجه رسالة مهمة إلى شباب الأمة وشاباتها.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sat, 01 Jun 2024 - 57min - 54 - رحلة اليقين (18) - سؤال: من خلق الله؟ - د. إياد قنيبي
سؤال يخطر على بال كثيرٍ منا
وقد يظن بعضنا أنه لو طُرح هذا السؤال على أهل العلم فسوف يَتَلَبَّكون ولن يجدوا جواباً :)
ولا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من الناس من سيسأل هذا السؤال، وأرشد إلى طريقة التعامل معه
سؤال: من خلق الله؟
كنتُ في صِغَري وأنا مُستَلقٍ على سريري قبلَ النَّومِ أَتَسَاءَلُ: أَلَيسَ لِكُلِّ شيءٍ خَالِقٌ؟ فمَنْ خَلقَ اللهَ؟
ثمَّ أُحِسُّ بأنَّ هذا السُّؤالَ حرامٌ،لا يخطرُ ببالِ أحدٍ مِن حولي.
كَبُرتُ فعرَفتُ أَنَّ هذا السُّؤَالَ يتسائلهُ الكثيرونَ، بَل، وعرفتُ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قد نَصَّ على أَنَّ كثيرينَ سيسألونهُ، وأرشدَ إلى طَرِيقةِ التَّعامُلِ مع هذا السُّؤالِ.
بدايةً، ما مَنشَأُ هذا السُّؤالِ؟
مَنشَؤهُ أَنَّنا نظُنُّ القاعدةَ كَالتَّالي: لكلِّ شيءٍ مُسبِّبٌ، ولكلِّ مَوجودٍ خَالِقٌ.
بينما القاعدةُ الصَّحيحَةُ هي: لكلِّ شيءٍ (حَادِثٍ) مُسبِّبٌ، ولكلِّ (مَخْلُوقٍ) خَالِقٌ.
لكلِّ شيءٍ حادِثٍ مُسبِّبٌ: (حادِثٌ) أي له بدايةٌ، وُجِدَ بعد أَن لم يكن مَوجودًا، فكلُّ ما له بدايةٌ، لا بُدَّ له مِن مُسبِّبٍ أخرجهُ مِن العَدَمِ إلى الوجودِ، أحدَثَهُ بعد أَن لم يكنْ.
لأَنَّه السَّببُ الأَوَّلُ، أي ليس له مُسبِّبٌ حسنًا، لِماذَا؟ لأنَّك لو افترضتَ أنَّه أَوجدَهُ خَالِقٌ، فستسألُ ومَن أَوجدَ خالِقَ الخالِقِ؟ وهكذا إلى ما لا بدايةٍ، وهذا يُؤَدِّي إلى تسلسُلِ الأَسبابِ، ويُسَمَّى أيضًا (تسلسُلَ الفاعِلينَ) وهو مُستحِيلٌ عقلًا؛ لأَنَّ نتِيجتَهُ أَن لا يحصلَ خَلْقٌ أَصلًا، كما بَيَّنا في الحلقةِ الماضيةِ وضربْنا له مثالَ الأسيرِ الَّذي لا يُطْلَقُ سَراحُهُ حتَّى يتلقَّى الجُنديُّ أَمرًا مِن قائدِه، والقائدُ مِن قائدِهِ وهكذا إلى ما لا بدايةٍ، فلا يُحرَّرُ الأَسيرُ، فإذا رأَيناهُ أُطلِقَ سَراحُهُ، عَلِمنَا أَنَّ السِّلسلةَ وَقفتْ عند مَن أَعطى الأَمرَ دُونَ أَنْ يَتلقَّى أَمرًا مِن أَحدٍ أَعلى مِنهُ رُتبةً.
إذا رأيتَ دُميةً تُحرَّكُ بخُيوطٍ، وعلِمتَ أَنَّ هناكَ مِن خلفِ السِّتارِ إنسانًا يُحرِّكُها، فهل مِن المَقبولِ أَنْ تَسأَلَ: ومَن يُحرِّكُ خُيوطَ هذا الإِنسانِ؟
إذا رأيتَ رغِيفَ خُبزٍ وعلِمتَ أنَّهُ لا بُدَّ للخبز مِن خبَّازٍ، فهل تَسأَلُ: ومَن خبزَ الخبَّازَ؟ لا بالتأكيد، بل هو سؤالٌ مُضحِكٌ وخاطِئٌ!
لماذا؟ لأنَّهُ طبَّقَ تَعميمًا في غيرِ مكانِهِ، وكذلكَ فالخَلقُ صِفةٌ مُلازِمةٌ للمَخلُوقِينَ، فلا تُعمَّمُ على الخالِقِ فسؤالُ (مَن خَلَقَ اللهَ؟) سُؤَالٌ خَاطِئٌ، مثل سُؤالِ: ما طُولُ الضِّلعِ الرَّابعِ في المثلَّثِ؟ وهو كأَنَّكَ تقُولُ: مَن خَلَقَ الَّذي لا خالِقَ لَهُ؟ أو مَن الَّذي سَبَقَ الَّذي لا شيءَ قَبلَهُ؟
فالجَوَابُ: الخالِقُ ليس له خالِقٌ؛ لأنَّهُ لو كان له خالِقٌ، لكانَ مَخلُوقًا لا خالِقًا.
لذا فهذا السُّؤالُ ليس مُحرِجًا، ولا خالفتِ الشَّريعةُ مِن أنْ يَخطرَ ببالِ النَّاسِ، بل أخبرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سلَفًا بأنَّهُ سيُسأَلُ،
وأَرشدنا إلى التَّعامُلِ معهُ.
إلى ماذا أَرشدَنا؟
في الحدِيثِ الَّذي رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا، مَن خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ» (رواه البخاريُّ ومسلم)
ولْينتَهِ: أي ينتَهي عَن الاسترسَالِ والاستمرَارِ مع هذه السِّلسلةِ مِن التَّساؤلاتِ بعد هذا الحَدِّ.
هل هذا حَجْرٌ على العَقلِ وتَعطيلٌ للعقلِ؟ أبدًا؛ بل هو الموقفُ العقليُّ الصَّحِيحُ.
لماذا؟ لأَنَّ هذا السُّؤالَ: (مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟) هو كما بَيَّنَّا سؤالٌ يُخالِفُ البدهيَّاتِ العقليَّةَ، والبدهيَّاتُ العقليَّةُ هي الَّتي يَنطَلقُ منها الإنسانُ في الاستِدلالِ، لا أنَّهُ يَطلُبُ لها أدلَّةً عليها حتَّى يستَمِرَّ في سِلسلةِ البَرهَناتِ والتَّعليلاتِ.
لذلكَ فَفي الحَدِيثِ الآخَرِ وَجَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَن يَأتِيهِ هذا السَّؤُالُ إلى أَنْ يقولَ: «اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لم يَلِدْ، ولم يُولَدْ، ولم
يَكُنْ له كُفُوًا أَحَدٌ» (حسَّنه الألبانيُّ)
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 08min - 53 - رحلة اليقين (17) - لماذا لا بد من خالق؟ - د. إياد قنيبي
في الحلقتينِ الماضيَتينِ بيَّنَّا أنَّ دليلَ وجودِ الخالقِ هو: كلُّ شيءٍ؛ لأنَّ وجودَ الكائناتِ وإتقانَها لا بُدَّ لهُ مِنْ خالقٍ وبيَّنَّا أنَّ هذا دليلٌ قاطعٌ لصاحبِ القلبِ والعقلِ السَّليمَيْن.
وذَكرْنا أنَّ نقاشَنا للشُّبُهاتِ ليسَ جُزءاً مِن الدَّليلِ، فإذا أحسَستَ بتعقيدٍ في نقاشِها، فهوَ لصُعوبةِ مَهمَّةِ تَوضيحِ الواضِحاتِ لِمَن ينُاقشُ في المُسلَّماتِ، وليسَ لأنَّ إثباتَ وُجودِ اللهِ عمليَّةٌ مُعقَّدةٌ
قالَ اللهُ تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بل لَّا يُوقِنُونَ﴾
"أَمْ خُلِقُوا": أنتَ أيُّها الإنسانُ مَا الَّذي خَلقَكَ؟ أيْ: مَا الَّذي أَوجدَكَ بعدَ أنْ لمْ تَكُنْ؟ مَا الاحتِمالاتُ المطرُوحَةُ؟
1- أنْ يكونَ العَدَمُ (اللَّاشيءُ) هوَ الَّذي أَوْجدَكَ.
2- أنْ تكونَ أنتَ أَوْجدْتَ نَفْسَكَ.
3- أنْ يكونَ هُناكَ مَن أَوجدَكَ.
القِسمانِ الأَوَّلانِ واضِحَا البُطلانِ، فالعَدَمُ لا يُوجِدُ شَيئاً وأنتَ أيُّها الإنسانُ بعدَ أنْ تُوجَدَ، لا تَستطيعُ أنْ تزِيدَ في بَقائِكَ يومًا واحِدًا ولا تمنعَ هَرَمَ نَفْسِكَ ومَوتَها، هذا وأنتَ مُكتَمِلُ الجسمِ والعَقلِ، فكيفَ تُوجِدُ نَفْسكَ مِن عَدمٍ ابتداءً؟
فَبقِي الخِيارُ الثَّالثُ: أنَّكَ أُوجِدتَ بِسببٍ خَارجٍ عَنكَ.
مَا يَنطَبِقُ عليكَ أيُّها الإنسانُ، يَنطَبِقُ على السَّماواتِ والأرضِ.
ليسَ الجِنسُ البَشَريُّ هو مَن أوجَدَ السَّماواتِ والأرضَ بعدَ عدَمِها، ولا هيَ أوجَدَتْ نفسَها، ولا أوجَدهَا العدَمُ؛ فلا بُدَّ لها مِن خالقٍ.
ببساطةٍ، هذا الخَالقُ بهذهِ الصِّفاتِ هو المُسمَّى في المَنظومةِ الإسلاميَّةِ بـ(اللهِ) لذلكَ فالإيمانُ بوجودِ اللهِ ليسَ مجرَّدَ قضيَّةٍ عاطِفيَّةٍ تسليميَّةٍ، بل قضيَّةٌ بُرهانيَّةٌ استِدلاليَّةٌ عَقليَّةٌ، بالإضافةِ إلى أنَّهُ قضيَّةٌ فِطريَّةٌ -كما بيَّنَّا في سلسلةِ (الأدلَّةِ الفِطريَّةِ على وجودِ اللهِ)
إيمانُنا بوجودِ اللهِ مُنطلِقٌ مِنَ استخلاصِ العِلمِ اليقينيِّ مِنَ المقدِّماتِ الضَّروريَّةِ، فإنَّنا لا نقولُ: نحنُ لا نعلَمُ مَن أحدثَ الكونَ، فنفترضُ وجودَ اللهَ لحلِّ ذلكَ، لا، وإنَّما نقولُ: إنَّ الاستِدلالَ العَقليَّ الضَّروريَّ يَدُلُّ على أنَّ الكونَ لا بُدَّ لهُ مِن خالقٍ أزَليٍّ ليسَ لهُ خالقٌ، وعلى بعضِ صِفاتِ هذا الخَالقِ أيضًا ونحنُ لا نقولُ: إنَّا وَجدنا السِّلسلةَ في الأسبابِ تَستمرُّ إلى ما لا بِداية فرغِبْنا في وضعِ حدٍّ لها، فافترَضنا وجودَ اللهِ تكاسُلًا مِنَّا عنِ التَّفكيرِ، لا؛ وإنَّما يقومُ استِدلالُنا على استِحالةِ التَّسلسُلِ في الأسبابِ إلى ما لا بِدايةٍ، لأنَّ نتيجَتَهُ الضَّروريَّةَ: انعدامُ الوجودِ أصلًا، وهو خِلافُ الحِسِّ والعقلِ.
وعندما يقولُ الملحدُ: العِلمُ قدْ يكشِفُ مُستقبَلًا سببَ الحياةِ، فإنَّنا نقولُ: مهما اكتشفَ العِلمُ فإنَّهُ لنْ يكشِفَ أنَّ العدمَ أوجَدَ الحياةَ، أو أنَّ الحياةَ أوجَدتْ نَفْسها، أو أنَّ سببَ الحياةِ مُتسلسِلٌ إلى ما لا بِدايةَ.
لا يكشِفُ العِلمُ عمَّا يُناقضُ هذهِ البَدهيَّاتِ العقليَّةَ؛ لأنَّ نقضَ البَدهيَّاتِ العقليَّةِ يؤدِّي أصلًا إلى إلغاءِ العِلمِ التَّجريبيِّ -كما بيَّنا في الحلقةِ الخامسةِ.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 08min - 52 - رحلة اليقين (16) - الله غيب هل معناه أن وجوده غير يقيني؟ - د. إياد قنيبي
من المفاهيم الخاطئة والخطيرة أنَّ كون الإيمان غيبيًا يعني أنَّه شيءٌ غير يقينيٍّ، ليس أكيدًا، احتمالٌ كبيرٌ جدًا لكن لا تستطيع أن تقول: مائةً بالمائة.
يقولون لك: لا أحد يستطيع أن يجزم بصحَّة ما لديه وخطأ الطرف الآخر؛ لأنَّه غيبٌ في النهاية.
وترى مَن يطبِّق ذلك حتَّى على المسألة الكبرى؛ على وجود الله تعالى، ويقول: "الإيمان هو أن تؤمن بشيءٍ دون وجود كلِّ الأدلَّة الحاسمة والقاطعة عليه، الإيمان يحتاج إلى قفزة إيمان؛ أي إلى شيءٍ لا يمكن البرهنة عليه بشكلٍ قطعيٍّ، الإيمان يحتاج هذه القفزة الشجاعة في الفراغ"..
ومثل هذه العبارات التي تجعل الإيمان بوجود الله وبالغيب عمومًا أمرًا حَدْسِيًّا، تخمينيًّا، لا قطعيًّا يقينيًّا، تجعله أمرًا بغلبة الظنِّ، احتماله كبيرٌ لكنَّه دون المائةً بالمائة.
فهل الإيمان بوجود الله هو كذلك فعلًا في المنظومة الإسلاميَّة؟
يقينًا لا؛ بل الإيمان بوجود الله هو إيمانٌ بما تدلُّ الأدلة عليه بشكلٍ قطعيٍّ حاسمٍ لا يقبل الشكَّ ولا التردُّد، وكونه غيبًا لا يعني أبدًا أنَّه لا يمكن الجزم به؛ غيبٌ لا يساوي مبهمًا أو غامضًا، ولا يعني أنَّ الإيمان بالله هو موقفٌ عاطفيٌّ تسليميٌّ محضٌ؛ بل هو موقفٌ برهانيٌّ استدلاليٌّ فطريٌّ عقليٌّ.
الإيمان بوجود الله هو إيمانٌ يدلُّك عليه العقل والفطرة دون أنْ يمنعك مرض القلب أو اتِّباع الهوى.
والغريب أنَّ هذه المسألة التي هي أَوْلى بدَهيِّات الإسلام ليست واضحةً عند بعض مَن يتصدَّى لمحاربة الإلحاد، إنْ كان الإيمان بالله عند بعض أتباع الأديان الأخرى قد اختلط بصورة مشوَّهة عن الله تعالى وصفاته ممَّا جعل أتباع هذه الأديان يحتاجون القفزَ في الفراغ، والتسليمَ غير المستَنِد إلى العقل، فنحن لا نحتاجه في الإسلام -والحمد لله-.
هذه الحلقة للمسلمين، وهي أيضًا للمتشكِّكين الذين قد يظنُّون أنَّنا ندعوهم إلى الإيمان الحَدْسيِّ العاطفيِّ التسليميِّ؛ بل نحن ندعوهم إلى إيمانٍ فطريٍّ عقليٍّ مُبرْهَنٍ.
كما أنَّ التسليم الذي ندعو الناس إليه ليس في مسألة وجود الله، التسليم ليس هنا؛ بل التسليم هو في أمورٍ في تفاصيل الإسلام المبنيَّة على إيمانٍ فطريٍّ عقليٍّ مُبرْهَنٍ القرآن الذي ندعو إليه يقول: ﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ﴾ [القرآن 15:49]؛ أي: آمنوا إيمانًا يشمل التصديق الجازم الذي لا يُخالطه شكٌّ، وليس غلبة ظنٍّ، ولا إيمانًا احتياطيًّا، ولا إيمانًا اعتباطيًّا، نؤمن هكذا مع أنَّنا نرى أنَّ الأدلة على وجود الله غير قطعَّيةٍ؛
بل المنظومة الإسلامية تنصُّ على أنَّ وجود الله عزَّ وجلَّ هو الحقيقة الكبرى
بل الله نَفْسُه هو الحقُّ، ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل﴾ .
ولشدَّة بداهة وجود الله تعالى فإنَّ القرآن لا يجعل هذه القضية محور أدلَّته ومناقشاته؛ بل يدلِّل على شيءٍ زائدٍ عن مجرَّد الوجود كالتوحيد وصفات الله تعالى، أمَّا الوجود نفسُهُ فقضيَّةٌ محسومةٌ؛ ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
آيةٌ تتضمَّن الدليل الفِطريَّ والدليل العقليَّ:
أفي الله شكٌّ؟
أيْ هل في وجوده شكٌّ؟
أو هل في وحدانيَّته شكٌّ؟
بنفس المعنى أيضًا تأمَّل معي مَطلع سورة الجاثية: ﴿إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آياتٌ لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آياتٌ لقوم يعقلون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون}﴾
نفسُ المفاهيم التي في حوار موسى لفرعون:
(يوقنون)؛ فالذي عنده يقينٌ فأَوْلى اليقينِ اليقينُ بالله وبآياته الكونيَّة.
(يعقلون)؛ فمَن عنده عقلٌ فلن ينكر ربَّه، ولن تكون عنده مشكلة في أن يؤمن بالغيب
وحينئذٍ.
﴿إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين ﴾ .
﴿فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون﴾ .
فالذي لا يؤمن بالله وآياته الكونيَّة مع شدَّة ظهورها فأَوْلى به ألَّا يؤمن بشيءٍ؛ لأنَّ الله وآياته أَظْهَر ما يمكن أن يؤمن به إنسانٌ؛ ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾
﴿لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾؛ فالذي لا يؤمن بالله كأنَّه ما أبصَرَ ولا سَمِع ولا أحسَّ ولا عَقِل..
وقال تعالى: ﴿ قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ ؛ لله الحُجَّة الدَّالَّةُ على صِدق كلامه، (البالغة) أيْ: الواصِلة إلى ما قُصِدت لأجله، وهو أن يُغلَب الخصم وتَبْطُل حُجَّته.
هذا كلُّه في إثبات صفات الله تعالى ووحدانيَّته وتفاصيلَ مِن دِينِه.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 07min - 51 - رحلة اليقين (15) - هل هناك دليل من العلم على وجود الله؟ - د. إياد قنيبي
الجوابُ باختصارٍ وببساطةٍ: أكثرُ ما يدلُّ عليهِ العلمُ هوَ اللهُ.
قدْ تقولُ: أينَ؟ أرِني اللهَ.. أوْ أسمِعْني اللهَ..!
فنقولُ: أنتَ لمْ تسألْ: هلْ نرى أوْ نسمعُ اللهَ كما نرى أوْ نسمعُ المحسوساتِ؟
ولوْ كان هذا سؤالَكَ لقُلْنا لكَ: لا طبعًا!
لكنَّكَ سألْتَ: هلِ العلمُ يدلُّ على اللهِ؟
العلمُ مركَّبٌ منَ الحسِّ والعقلِ، فالإنسانُ ليسَ آلةً صماءَ أو آلة تصوير نلتقطُ بها صورًا ثمَّ ننظرُ في شاشتِها، هلْ نرى اللهَ فيها؟
بلِ الإنسانُ يحلِّلُ مدخلاتِ الحِسِّ بعقلِهِ، ويخرجُ بنتائجَ وهذهِ العمليَّةُ تبدأُ منَ اللَّحظاتِ الأولى
مِن طفولتِهِ وتَترقّى معَ كِبَرهِ بلْ حتَّى الحيواناتُ تستنتجُ منَ المحسوساتِ وتربِطُ الأثرَ بالمؤثِّرِ فتعلمُ منْ رائحةِ الطَّعامِ أنَّ هناكَ طعامًا وراءَهُ؛ فتبحثُ عنهُ، ومنها ما يقصُّ الأثرَ كالكلبِ؛ فيبحثُ عنْ صاحبِ هذا الأثرِ.
إذا رأيتَ تفَّاحةً مَقضومةً عليها آثارُ أسنانِ إنسانٍ علمْتَ أنَّ هناكَ إنسانًا قضمَها، هذا علمٌ، معَ أنَّكَ لم ترَ هذا الإنسانَ.
إذا سمعْتَ أُنشودةً بصوتٍ جميلٍ علمْتَ أنَّ هناكَ منْ يُنشدُها، هذا علمٌ، معَ أنَّكَ لم ترَ الَّذي أنشدَها.
بلْ هذهِ علومٌ بديهيَّةٌ، ولشدَّةِ بَداهتِها لا يسمّيها النّاسُ علمًا؛ لأنَّ كلمةَ (عِلم) يتبادرُ منها إعمالُ التَّأمُّلِ والتَّحليلِ، وهوَ ما لا تحتاجُهُ في مثلِ هذهِ الأمورِ.
(لكلِّ حادثٍ سببٌ): هذا مبدأٌ عقليٌّ فِطريٌّ بَدهِيٌّ، لا يحتاجُ تعليمًا ولا ذكاءً، ونحنُ نعملُ بقانونِ السَّبَبيَّةِ في كلِّ حركاتِنا؛ فنأكلُ لأنَّ الطَّعامَ سببٌ في سدِّ الجوعِ، ونشربُ لأنَّ الماءَ سببٌ في سدِّ العطشِ، ونلجأُ للنَّومِ كسببٍ للرَّاحةِ، ونعملُ كسببٍ لتحصيلِ العَيشِ. بمبدأِ السَّببيَّةِ هذا تعلمُ أنَّ لنفسِكَ، وللكونِ منْ حولِكَ خالقًا مدبِّرًا، أوجدَ الكونَ، هيَّأهُ للحياةِ، أحكمَ تفاصيلَه، ضبطَ قوانينَه، تظهرُ آثارُ قدرتِه في نفسِك، وحركاتِ الموجوداتِ حولَكَ.
فسُؤالُ: (هلْ هناكَ دليلٌ على وجودِ اللهِ؟)
سؤالٌ غيرُ دقيقٍ؛ لأنَّه ليسَ هناكَ شيءٌ إلّا وهوَ دالٌّ على وجودِ اللهِ..
قالَ الله تعالى: "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قومٍ لا يؤمنون"
وقال تعالى "أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ""
فالسُّؤالُ الصَّحيحُ ليسَ: هلْ هناكَ دليلٌ على وجودِ خالقٍ؟
بلْ، هلْ هناكَ شيءٌ يستطيعُ أنْ يخرجَ وينسلخَ عنْ كونِهِ دليلًا على وجودِ الخالقِ؟
والجوابُ: لا..
وصدقَ ابنُ تيْميَةَ إذْ قالَ: "كلَّما كانَ النَّاسُ إلى الشَّيءِ أحوجَ كانَ الرَّبُّ بهِ أجودَ"، نعمْ؛ فحاجةُ النَّاسِ إلى معرفةِ ربِّهم أعظمُ الحاجاتِ، فترى أنَّ اللهَ يجودُ عليهِم بأدلَّةِ وُجودِه وطُرقِ معرفةِ صفاتِه.
بلْ ومِن أسماءِ اللهِ تعالى (الظَّاهرُ)، قالَ ابنُ الجَوزيِّ في (زادِ المسيرِ) في تفسيرِ قولِهِ تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [القرآن 57 :3] قالَ: "الظَّاهر بحُججِه الباهرةِ وبراهينِه النَّيِّرةِ، وشواهدِهِ الدّالَّةِ على صحَّةِ وَحدانيَّتِهِ"، فاللهُ ظاهرٌ، مُدرَكٌ بالعقولِ والدَّلائلِ، وهوَ في الوقتِ ذاتِه باطنٌ؛ لأنَّه غيرُ مُشاهَدٍ، كسائرِ الأشياءِ المُشاهَدةِ في الدُّنيا.
هذا هو الدَّليلُ بإحكامٍ وبساطةٍ ووُضوحٍ وعُمقٍ، كلُّ الكائِناتُ في الوجودِ تدلُّ على وجودِ اللهِ، فكلُّ ما تُشاهدُه ليسَ كائِناتٍ عَشوائيَّةً؛ بلْ بنيتُها، حركاتُها تدلُّ على أنَّها مخلوقةٌ، أي مصنوعةٌ بإرادةٍ وقدرةٍ، فلا يمكنُ لِـ(اللَّا شيءِ) أنْ يخلُقَها، ولا يمكنُ لها هيَ أنْ تخلُقَ نفْسَها وقدْ كانتْ عدمًا قبلَ أنْ توجدَ، فلا بدَّ من خالقٍ لها متَّصفٍ بالإرادةِ والقُدرةِ والعِلمِ والحكمةِ والعظَمةِ، وسائرِ ما تدلُّ عليهِ مخلوقاتُهُ.
لذلكَ كلِّه؛ فمِنَ الضَّروريِّ والمهمِّ الفصلُ بينَ أدلَّةِ وجودِ اللهِ، والرُّدودِ على منكري هذهِ الحقيقةِ البدهيَّةِ.
ثمَّ إنَّ كثرةَ ترديدِ الشُّبهاتِ المثارةِ ضدَّ شيءٍ لا تعني بالضَّرورةِ ضعفَهُ؛ بل في حالةِ وجودِ اللهِ فإنَّ كثرةَ ترديدِ الشُّبهاتِ تعبِّرُ عنْ حالةِ مُصارعةِ المنكرينَ لهذهِ الحقيقةِ الَّتي تهجُمُ عليهِم، وتفرضُ نفسَها عليهِم، فيدافعونَها بكلِّ شبهةٍ لتسكينِ نفوسِهمُ المضطَربةِ..
﴿أوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 10min - 50 - رحلة اليقين (14) - خلاصة حلقات الأدلة الفطرية على وجود الله ومناقشة الإعتراضات - د. إياد قنيبي
إخوتي الكرامَ، في هذهِ الحلقةِ نلخِّصُ أهمَّ محاورِ الحلقاتِ التِّسعةِ عن الأدلَّةِ الفطريَّةِ على وجودِ اللهِ تعالى ضمنَ سلسلةِ (رحلةِ اليقينِ)، ونجيبُ عنْ بعضِ الاعتراضاتِ الَّتي وردَتْ على هذهِ الحلقاتِ.
بيَّنَّا أنَّ هناكَ فِطْرةً موجودةً في الإنسانِ، وشرحْنا بعضَ مُكوِّناتِ هذهِ الفطرةِ كنزعةِ التَّديُّنِ، والبدَهِيّاتِ العقليَّةِ، والنَّزعةِ الأخلاقيَّةِ، والشُّعورِ بوجودِ غايةٍ للحياةِ، والشُّعورِ بالإرادةِ الحرَّةِ. وبيَّنَّا دلالةَ كلٍّ منْ هذهِ المُكوِّناتِ على وجودِ اللهِ -تعالى-، وكيفَ أنَّ الموقفَ الإسلاميَّ منْ كلِّ مُكوِّنٍ فطريٍّ هو موقفٌ منسجمٌ وعقلي.
وبيَّنّا أنَّ الإلحادَ في المقابلِ يقعُ في مأزقٍ معَ كلِّ مُكوِّنٍ فِطريٍّ، وأنَّ أساسَ هذا المأزقِ هو إصرارُ الإلحادِ على تفسيرِ الوجودِ تفسيرًا مادِّيًّا يرفضُ فكرةَ وجودِ إلهٍ فَطَرَ الإنسانَ على هذهِ المكوِّناتِ الفطريَّةِ.
وبيَّنَّا أنَّ الإلحادَ إذا حاولَ أنْ يَفِرَّ منْ مُشكلةٍ منْ هذهِ المشكلات، فإنَّهُ يقعُ ولا بُدَّ في مشكلةٍ أُخرى؛ فإذا حاولَ مثلًا أنْ يعترِفَ بالبدَهيَّاتِ العقليَّةِ، فإنَّهُ يقعُ في التَّناقضِ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ وإذا حاولَ الانسجامَ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ، فإنَّهُ يقعُ في إنكارِ البدَهيَّاتِ العقليَّةِ وإذا حاولَ الإلحادُ أنْ يفِرَّ منَ اللَّاأخلاقيَّةِ الَّتي يؤدِّي إليها، فإنَّهُ يقعُ في التَّناقضِ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ، وإذا أرادَ أنْ ينسجمَ معَ الرُّؤيةِ المادِّيَّةِ، فإنَّهُ يؤدِّي حتمًا إلى نتائجَ لاأخلاقيَّةٍ تَنفرُ منها النُّفوسَ بداهةً، لِذا فإنَّهُ لا ينفعُ الملحدَ أنْ يقولَ: "أنا أرفضُ المقولاتِ اللَّاأخلاقيَّةَ الَّتي يتكلَّمُ بها بعضُ الملحدينَ وأرفضُ إنكارَهُم لمبادِئَ عقليَّةٍ كالسَّببيَّةِ"؛ لأنَّ رفْضَهُ هذا يُوقِعُهُ في التَّناقُضِ معَ إلحادِهِ.
وبيَّنَّا في السِّلسلة ِأيضًا كيفَ أنَّ إنكارَ الإلحادِ للفطرةِ يوقِعُه في هدمِ الشِّعاراتِ الَّتي يرفعُها، فشِعاراتُ الملحدينَ: "أنا أحترمُ عقلي، أنا إنسانَيٌّ -أُومِنُ بالإنسانِ-، أنا أصدِّقُ العلمَ".
وقدْ بيَّنَّا في الحلقةِ الخامسةِ إهانةَ الإلحادِ للعقلِ وإسقاطَه لهُ، وبيَّنَّا في الحلقةِ السَّادسةِ والسَّابعةِ والثَّامنةِ إهانةَ الإلحادِ للإنسانِ وأخلاقِهِ، وبيَّنَّا في الحلقاتِ الخامسةِ والعاشرةِ والحادِيةَ عشرةَ إهانةَ الإلحادِ للعِلْمِ التَّجريبيِّ؛ فهوَ هدمٌ للشِّعاراتِ.
وبيَّنَّا كذلكَ كيفَ أنَّ الملحدينَ يقعونَ في نفسِ ما يَعيبونَ المؤمنينَ بوجودِ اللهِ له؛ فَهُمْ يَعيبُونَ المؤمنينَ لإيمانهم بالغيبِ، معَ أنَّ المؤمنينَ لديهمْ أدلَّةٌ على هذا الغيبِ، في حين يقع الملحدونَ في الإيمانِ بغيبٍ لا دليلَ عليهِ كإيمانِهم بتفسيراتٍ مادِّيَّةٍ للمكوِّناتِ الفطريَّةِ معَ انعدامِ الأدلَّةِ عليها.
ويَعيبونَ على المؤمنينَ قولَ: "لا نعلمُ لماذا" جوابًا عنْ بعضِ الأسئلةِ، معَ أنَّهُ تسليمٌ مَبْنيٌّ على إيمانٍ عقليٍّ، في حين يقولُ الملحدون العبارةَ ذاتهَا: "لا نعلمُ لماذا" جوابًا عنْ بعضِ الأسئلةِ، مثلَ السُّؤالِ عنْ تفسيرِ وجودِ إرادةٍ حُرَّةٍ للإنسانِ بخلافِ ما تُحتِّمُهُ النَّظرةُ الإلحاديَّةُ المادِّيَّةُ، ويدَّعي الملحدونَ أنَّ المؤمنينَ بوجودِ اللهِ يخادِعونَ أنفُسَهم، في حين أن الملحدينَ هُمْ في الحقيقةِ- مَنْ يخادِعونَ أنفُسَهم، كما بيَّنَّا في حلقةِ: (لماذا نحنُ هنا في هذهِ الحياةِ؟).
في المُحَصِّلةِ، إنَّ بعضَ المسلمينَ لديهِم تساؤلاتٌ، وشكوكٌ، وشُبُهاتٌ لم يحصِّلْ إجاباتٍ شافيةً عليها؛ وذلكَ إمّا لتقصيرِهِ في البحثِ عنْ إجاباتٍ منَ المصادرِ المُناسبةِ، أو لأنَّهُ لم يَبْنِ إيمانَه على أُسُسٍ متينةٍ أصلًا، أوْ لِخَللٍ منهجيٍّ كبيرٍ لديهِ، وهو: أنَّه لا يرُدُّ المُتشابهاتِ إلى تلكَ الأسُسِ المُحْكماتِ، أي: لا يُفسِّرُ الجزئيَّاتِ الَّتي تخفى عليهِ في ضَوءِ الأُسسِ العَقَديَّةِ الكبرى الَّتي يمتلِكُ الدَّليلَ عليها؛ فيبقى في قلقٍ واضْطرابٍ.
فاعلمْ أيُّها الشّابُّ الَّذي تخلَّيْتَ عنْ دينِكَ وأعلنْتَ ذلكَ لأصحابِكَ محتفلًا بأنَّكَ قدْ تخلَّصْت منْ مجموعةِ التَّساؤلاتِ والشُّكوكِ الَّتي كانتْ تؤرِّقُكَ يومَ كُنْتَ مُسلمًا، اعلمْ أنَّكَ دخلْتَ محيطًا عميقًا متلاطمَ الأمواجِ منَ الشُّكوكِ والتَّساؤلاتِ والتَّناقضاتِ، وتركْتَ العُروةَ الوُثْقى لتَهوِيَ في وادٍ سحيقٍ، ولنْ تجدَ مَفَرًّا منْ هذهِ الحقيقةِ إلّا أنْ تتَعامى عنها.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 12min - 49 - رحلة اليقين (13) - تزييف العلم "الشذوذ مثالاً" - د. إياد قنيبي
الملحدون كما بَيَّنَّا في الحلقة الماضية فسَّروا الظَّواهر الفطريَّة تفسيراتٍ مادِّيَّةً جينيَّةً لا دليل عليها، لكنَّهم لم يقفوا عند هذا الحدِّ، بل نَسَبُوا إلى الجينات أيضًا أفعالًا منحرفةً عن الفطرة، وجعلوا ذلك أحد الذَّرائع لتبريرها على اعتبار أنَّها ظواهر طبيعيَّةٌ. مثالٌ صارخٌ على ذلك: تعاملهم مع الشُّذوذ الجنسيِّ، والَّذي لا يسمونه شذوذًا بل مِثْلِيَّةً جنسيَّةً "Homosexuality" لأنَّ كلمة (شذوذٍ) تحمل معنى أنَّه سلوكٌ مُسْتَبشَعٌ منافرٌ لطبيعة الإنسان، وهو ما لا يعترفون به.
المجتمع العلميُّ الغربيُّ الَّذي يشيع فيه الإلحاد والداروينيَّة، أصدر دراساتٍ عن علاقة الشُّذوذ بالوراثة والجينات، وعن الظَّواهر الاجتماعيَّة المتعلِّقة بالشُّذوذ، مثلًا: دراسة إذا تَبَنَّى شاذَّان طفلًا، فكيف سيكون أثر هذا التبنِّي على الطفل؟ ومن حقِّنا أن نسأل: هل تمَّت هذه الدراسات بطريقةٍ علميَّةٍ وحياديَّةٍ؟ وهذا ينقلنا إلى السؤال الأكبر والأهمِّ: هل الأبحاث العلميَّة، الَّتي لها تطبيقاتٌ عَقَديَّةٌ وأخلاقيَّةٌ والَّتي تنتج في ظلِّ هيمنة الليبراليَّة الغربيَّة، هل هي محايدةٌ بالفعل؟ أم أنَّها أحيانًا تكون أداةً مُسيَّسةً؟ هل إذا جاءتْ مِثلُ هذه الأبحاث بنتائج تعارض قِيَمًا إسلاميَّةً، فإنَّ الموقف العقلانيَّ سيكون الشكَّ في القِيَم الإسلاميَّة؟ أم في صِحَّة هذه الدِّراسات؟ عندما يقول لك الملحد: "أنا أصدِّق العلم" فهل هو كذلك؟ أم أنَّه يصدِّق التَّفسير الخاطئ لعلمٍ زائفٍ؛ فيقع في جهلٍ مركَّبٍ؟ هذا هو الهدف الأساس والأهمُّ لحلقتنا، أما (الشُّذوذ) فهو مثالٌ فقط، نفحص من خلاله موثوقيَّة هذا العلم الغربيِّ.
خارطة المَسِير في حلقتنا ستكون كالتَّالي
● سنحلِّل في البداية معنى العبارة المفترَضة: (الشُّذوذ له سببٌ جينيٌّ)
● ثمَّ سنذكر ما تُقرِّره المراجع الغربيَّة الرئيسيَّة حاليًّا عن علاقة الشُّذوذ بالجينات والوراثة
● ثمَّ نعود إلى السُّؤال الأهمِّ وهو: هل ما تقرِّره المراجع والدِّراسات الغربيَّة في مثل هذه الأمور الأخلاقيَّة أصلًا موثوقٌ بالضَّرورة؟
● وسنجيب عن هذا السُّؤال من خلال دراسة ثلاثة أمورٍ:
الأجواء الَّتي تتمُّ فيها الأبحاث؛ هل هي أجواءٌ تشجِّع على البحث الحرِّ؟ أم فيها إرهابٌ قانونيٌّ؟
هل الباحثون موثوقون؟ أم هناك ما يشير إلى كذبهم وانحيازهم أحيانًا؟
من يموِّل هذه الأبحاث؟ وما تأثير ذلك على النَّتائج؟
هل الأبحاث العلميَّة الَّتي تخرج بنتائج تُسَخَّر لخدمة القيم الِّليبراليَّة الغربيَّة، هل هي محايدةٌ بالفعل؟ أم أنَّها أداةٌ مسيَّسةٌ؟ وسنجيب عن هذا السُّؤال من خلال دراسة ثلاثة أمورٍ:
أوَّلها: الأجواء الَّتي تتمُّ فيها هذه الأبحاث، هل هي أجواءٌ تشجِّع على البحث الحرِّ؟ أم فيها إرهابٌ قانونيٌّ؟
هل ما يتغنَّى به الملحدون علمٌ؟ أم علمٌ زائفٌ "Pseudoscience؟ مُقدَّساتٌ ليبراليَّةٌ تدفع لنتائج معيَّنةٍ، دعمٌ ماديٌّ مُنحازٌ، حرصٌ على إرضاء الدَّاعمين بنتائج تسرُّهم، باحثون شواذٌّ ومطعونٌ في مصداقيَّتهم، أخطاءٌ في تصميم الدِّراسات، انحيازٌ في النَّشر، إرهابٌ لمن يتَّخذ موقفًا مخالفًا لهوى الشَّواذِّ، حملاتٌ لمكافحة (الهوموفوبيا)، ثمَّ إعلامٌ يتلقَّى من الدِّراسات ما يشاء ويبني عليها: أَنَّ وجود العلاقة المُدَّعاة للجينات بالميل الشَّاذ، تعني أَنَّ صاحبه مجبَرٌ
على السُّلوك الشَّاذِّ
الحضارة الغربيَّة إخواني لديها مقدَّساتٌ ترفع شِعارها وتجرِّم وتحارب من يَمَسُّها، وقد استطاع اللوبيُّ المؤثِّر الدَّاعم للشَّواذِّ أن يُدْخِل في هذه المقدَّسات ما يسمِّيه: (حقوق المِثْليِّين) فكما أنَّ الَّذي يعارِض الهيمنة الغربيَّة يُوصَف (بالإرهاب)، والَّذي يعارض اليهود يُوصَف (بمعاداة السَّاميَّة)، فقد أطلقوا على معارضة الشُّذوذ الجنسيِّ وَصْفَ رُهاب المِثْليَّة "Homophobia" أي أنَّ المِثْليَّة الجنسيَّة ظاهرةٌ طبيعيَّةٌ، حقٌّ من حقوق الإنسان، والَّذي يعارضها مصابٌ بمرض الرُّهاب تجاهها، لكنَّ هذا المريض غير معذورٌ عندهم، بل مُجَرَّمٌ.
وكما أنَّ هناك شعار (مكافحة الإرهاب) و(مكافحة معاداة السَّاميَّة) فكذلك ترفع الحضارة الغربيَّة شعار (مكافحة رُهاب المِثْليَّة) والَّذي تَبَنَّتْه الأمم المتَّحدة، وأطلقت من أجله حمَلاتٍ، وأصدرتْ اتِّفاقيَّاتٍ وقَّع عليها كثيرٌ من الدُّول، وعيَّنت مراقبًا أمميًّا خاصًّا لحماية الشَّواذِّ. في أجواء المحارَبة والمراقَبة هذه، هل يُتَصوَّر أن يخرج العلم التجريبيُّ بنتائج محايدةٍ بالفعل فيما يتعلَّق بالشذوذ؟من الفضائح العلميَّة الَّتي تُجيب عن هذا السُّؤال قصَّة البروفيسور اسبِيتْزَر"Spitzer"
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 28min - 48 - رحلة اليقين (12) - الإيمان الأعمى الدارويني في تفسير الظواهر الفطرية - د. إياد قنيبي
في هذهِ الحلقة نجيب عن سؤال: هل أيٌّ من الظَّواهر الفطريَّة ثَبت أنَّ لها أسبابًا تطوريَّة؟
أم أنَّ الملحدين والتطوّريين يؤمنون إيمانًا أعمىً يسدُّون به فجواتهم المعرفيَّة؟
أي: الملحدون حين أنكروا وجود الله، ومن ثم أنكروا أنَّ هناك فطرةً فَطَر الله الناس عليها، وقعوا في مأزق: أنَّهم لا يملكون تفسيرًا لأيٍّ من الظّواهر الفطريّة، كنزعة التّديّن، أو النّزعة الأخلاقيّة والشّعور بالغائيّة، والإرادة الحرَّة والغرائز.
فهي ظواهرُ غيرُ ماديّةٍ في الظّاهر؛ لذا فقد بحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لها، وادّعوا أنَّ كلَّ هذه الظَّواهر لها أسبابٌ ماديّةٌ ضمن إطار التّطوُّر الدّاروينيِّ، فإمّا أن تكون الظَّاهرة الفطريَّة المعيَّنة ناتجةً عن جينٍ (مورِّث) معيَّنٍ، أو مجموعةِ جيناتٍ (مورِّثات).
وإمَّا أن تكون ناشئةً عن صفاتٍ أخرى متعلِّقةٍ بالجينات انتخبتها الطبيعة، أو أنّ الظَّواهر الفطريّة، أو الظَّاهرة الفطريّة المعيّنة قد تَمّ انتخابها داروينيًا، دون أن نعرف كيف ظَهرت هذه
الظّاهرة ابتداءً، لكنَّها ظهرت ثمّ انْتُخِبَت.
والسّؤال: هل ادّعاؤُهم هذا عليه دليلٌ علميّ؟
أمَّا الاحتمال الثَّالث: "لا نعرف كيف ظهرت"؛ فإحالةٌ على مجهولٍ، عبارةٌ لا يَقْبلها الملحدون من المؤمنين بالله في تفسير الظّواهر.
يبقى التَّفسير الذِّي يُمْكِن فحصه واختبارُ صحّتِه، هو ربطُ الظّواهر الفطريّة بالمورِّثات.
حتّى تدّعي أنّ صفةً ما في كائنٍ ما لها علاقةٌ بمورِّث معيَّنٍ، فهناك طرقٌ علميّةٌ محدّدةٌ لإثبات وجود هذه العلاقة.
الطّريقة الأولى: هي "إضافة مورّث" "Gene Insertion"، للبويضة المخصبة، أو "حذف مورَّث" "Gene Deletion"، ومتابعةُ ما إذا أدّى ذلك إلى ظهور أو اختفاءِ صفةٍ معيّنةٍ.
وهذا ممكنٌ في الحيوانات، مثلَ ما يسمَّى بـ "الفئران محذوفة المورِّث" "Knockout Mice" مثلاً.
لكن لم يَتّم إجراؤها في الإنسان، بالإضافة إلى أنّه يَدْخُلها عواملُ معقّدةٌ، "كالآليّات التعويضيّة" "Compensatory Mechanisms" والتّي قد تَعوِّض المورِّث، المحذوف مثلًا.
تبقى الطّريقة الممكنة في الإنسان هي أن تُجريَ مسحًا جينيًّا وتُثبِتَ أنّ المتّصفين بصفةٍ أو نزعةٍ
معيّنة لديهم مورِّثٌ ليس لدى الآخرين الذّين لا يمتلكون هذه الصّفة أو النّزعة، أو أنّ لديهم مورِّثات يحصل لها "تمْثيل""Expression" بشكل مختلفٍ عن الآخرين، فيما يعرف: "بالوراثة فوق الجينيّة""Epigenetics" مثلًا، وهذه الطّريقة رَبَطت بعض الصّفات الجسميّة والأمراض بأسبابٍ جينيّةٍ.
حسنٌ، نعود فنقول: الملحدون والدّاروينيّون أجْرَوْا عمليّةَ دَرْوَنة "Darwinization" لكلِّ شيءٍ، وكان ممّا دَرْوَنوه: الظَّواهرُ الفطريَّة.
وهناك قائمةٌ طويلةٌ من الكتب التي قامت على هذا الأساس، مثل: (الجين الإلهي) ، (الأساس التطوّري للنّزعة الأخلاقيّة)، (الأساس التّطوري للحريّة)، (نظرة دارونيَّة للمَحبَّة من قِبَلِ الوالدين)، (تطوُّر الرّغبة الجنسيَّة التَّزاوجيَّة)، وغيرها الكثير.
الآن، فلْنتجاوزْ دعوى الدّاروينييِّن: أنَّ هناك صفاتٍ ظهرت بطرقٍ لا نعرفها، لكنّها انتُخِبَت؛ لأنّ عبارة (لا نعرفها) ليست عِلمًا يُخْتَبَر.
يبقى الرّبطُ بالمورِّثات، فنقول: بِناءً على ما تقدّم مِن الطّرق العلميّة لإثبات العلاقة الجينيّة بالصّفات، هل أيٌّ من ادِّعاءات هذه المؤَلَّفَاتِ عليها دليل علميٌّ؟ هل تّم تحديد أيَّ مورّث مسؤولٍ عن أيّة نزعةٍ فطريّة؟
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 10min - 47 - رحلة اليقين (11) - روبوتات من لحم - د. إياد قنيبي
يقولُ الإسلامُ: إِنَّ من الفطرةِ الَّتي أَوْدَعَها الخالق في الإنسان، شعورَ هذا الإنسانِ بالإرادة الحرَّة في الأفعال الَّتي تقع تحت اختياره، وأنَّ هذه الإرادة الحرَّة عدلٌ إلهيٌّ، ليتحمَّل الإنسان نتائج اختياراته، فيُثيبَهُ اللهُ إِنْ أحسنَ، ويعاقبَهُ إِنْ أساء.
ويقول الإلحاد: لا خالق، ولا فطرة، ولا روح، بل نحن عبارةٌ عن مادَّةٍ فقَط، مجموعةٍ من الذرَّات.
قيل للملحدين: فكيف تفسِّرون حقيقةَ أنَّ الإنسان يجدُ من نفسه حريَّةَ الاختيار في أفعاله؟
يشتري أو لا يشتري، يتكلَّم أو لا يتكلَّم، يكتب أو لا يكتب؟
الذرَّات التي يتكوَّن منها الإنسان، لا وعيَ لها ولا اختيار، إنَّما تتَّبِع قوانينَ كيميائيَّةً حيويّةً معروفةً. فإن كان الَّذي يحكُمنا هو ماديَّةَ هذه الذّرَّات، إن كانت أفعالنا هي نتيجةً محضةً لجيناتٍ ونبضاتِ الخلايا العصبيَّةِ التي أوجَدَتْها الصُّدفة فنحن لسنا إلَّا روبوتات مُسَيَّرة لتعمل أعمالاً محدَّدةً.
هل رأيتم روبوتًا يختارُ بنفسه عملاً غير الَّذي بُرمِجَ عليه؟!
وكذلك نحن حسَب مادّيَّتِكم روبوتاتٌ لحميَّة كالرُّوبوتات المعدنيَّة.
فكيف تفسِّرون الإرادة الحرَّة بعد هذا كلِّه؟
وعلى عادة الملحدين، تهرَّبوا من المأزق بإنكار الحقائق الواضحة ومخالفة بدهيَّات العقل.
فأنكر كثيرٌ منهم وجود الإرادة الحرَّة، كما أنكروا من قبلُ الضّروراتِ العقليَّةَ، وقيمة الأخلاق، ونزعةَ التّديُّن، والشّعور بوجود غايةٍ للحياة.
فترى دوكينز يقول في كتابه (نهرٌ من عدن) "River out of Eden": "الشّيفرة الوراثيَّة لا تكترث ولا تدري، إنَّها كذلك فقط، ونحن نرقص وفق أنغامها"، أي بمعنى آخر: نحن روبوتات تحكمها الجينات.
وترى عالِمَ الأعصاب الملحد سام هاريس "Samuel Harris" يؤلِّف كتابًا بعنوان: الإرادة الحرَّة، يقول في أوَّله: "الإرادة الحرَّة وَهْمٌ"، ويصف الإنسان فيه بأنَّه: (Biochemical puppet) أي: دميةٌ كيميائيةٌ حيويةٌ، وهو ما تُعبِّر عنه أيضًا الصُّورة على غِلاف كتابه، ومع ذلك، يفتخر على الغلاف بأنَّه صاحب أحد أكثر الكتب مبيعًا بعنوان: (نهاية الإيمان).
فهذا الإنجاز العظيم الذي نشره الملحدون التَّنويريُّون: إقناع أتباعهم بأنَّه لا إله، وأنَّهم مُجرَّدُ دمىً متحركةٍ.
وترى بروفيسور البيئة والتّطوُّر جيري كوين "Jerry Coyne" يكتب مقالاً بعنوان: "أنت لا تمتلك إرادةً حرَّةً!".
وهذه بالفعل هي الرُّؤية المتوافقة مع الإلحاد والمنهج المادّي، أنَّه يجب ألَّا تكون هناك إرادةٌ حرَّةٌ.
لكن، هل بالفعل هربَ الملحدون بإنكارهم هذا من المأزق؟ أم أنَّهم أوقعوا أنفسهم في بحرٍ من التّناقضات والأسئلة الَّتي لا تَنتهي؟
فإذا كان الإنسان فاقد الاختيار بالفعل، فما المبرِّرُ لمعاقبته إِنْ أجرم وقتل وسرق واغتصب وعذَّب وفعل الشنَّائعَ كلَّها؟ لماذا نعاقبه وهو ضحيَّةٌ لجيناته التي تُسَيِّرُهُ رغماً عنه؟ وإِنْ كان صاحب الكرم والإيثار والتَّضحية، مجبورًا على أفعاله، فما المبرِّر للثَّناء عليه؟
ثمَّ أليس من الغريب أنَّ سام هاريس الذي يصف النَّاس بأنَّهم دُمىً بيوكيميائيَّةٌ هو نفسه الذي اقترح إلقاء قنبلةٍ نوويَّةٍ على المسلمين للتّخلِّصِ من شرورهم؟! أليس من الغريب أيضًا، حِرصُ الملحدين الشَّديد على إلغاء ما يسمُّونه "وَهْمَ الإله" من الوجود مع فتورٍ واضحٍ عن إزالة الوهم الآخر في نظرهم، وَهْمِ حريّةِ الإرادة البشريَّة؟ مع أنَّ هذا الوهم يجعل النَّاس يعاقِبون المجرمين المساكين المجبورين على إجرامهم.
ثمَّ إِنْ لم تكن هناك إرادةٌ حرَّةٌ، إِنْ كان المؤمن مجبورًا على إيمانه، والملحد مجبورًا على إلحاده، فلمذا يتحمَّس الملحدون للدَّعوة إلى إلحادهم إِنْ لم يكن لدى الإنسان إرادةٌ حقيقيَّةٌ يستطيع أن يغيَّر معتقدَهُ من خلالها؟
أليس من الطَّريف جدًّا أن يؤلِّف الملحدون كتبًا ليقنعونا من خلالها بأنَّه لا وجود للإرادة الحرَّة، مع أنَّ ذلك يعني أنَّه ليس هناك أيُّ فعلٍ عقلانيٍ في تأليفهم هذا، وإنِّما حروفٌ تمَّ صفُّها
بضغط تفاعلاتٍ بيوكيميائيَّةٍ، ومعلومٌ أنَّه ليس من أجندة هذه التفاعلات طلبُ الحقِّ فضلاً عن إصابته.
وما قيمة التعلَّم إن كان الإنسان فاقدًا للإرادة الحرَّة الَّتي يختار من خلالها المعارف الصَّحيحة دون الباطلة، إِنْ كان مدفوعًا رغمًا عنه إلى نتائجَ محدَّدةٍ، بغضِّ النَّظر أَهِيَ صحيحةٌ أَمْ باطلةٌ؟
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 06min - 46 - رحلة اليقين (10) - لماذا نحن هنا في هذه الحياة ؟ - د. إياد قنيبي
الشُّعور بالغائيَّة، رحمةٌ وعذاب: رحمةٌ في المنظور الإيماني؛ لأنَّه يدفع الإنسان دفعًا إلى البحث عن الجواب، فينجذبُ إلى الدِّين الحقِّ، الَّذي يجيب عن هذه التَّساؤلات، إجاباتٍ شافية، تروي العطش، تقنع العقل، فيتَّصل الإنسان بربه، ويستمدُّ من نور الوحي الخالص، ويصبح كمركبةٍ كانت تائهةً في الفضاء، ثمَّ اتَّصلت بمصدرها وغايتها، فأصبحت تسير وفق خطَّةٍ مرسومةٍ، لترسوَ بأمان.
لكنَّ هذا المكوِّنَ الفطريَّ في المقابل عذابٌ للملحد؛ لأنَّه يثير تساؤلاتٍ لا جواب لها، وإذا حاول الجواب، فإنَّه سينتهي بالشُّعور بالعدَمِيَّة، واللَّامعنى، واللَّاقيمة.
يقول بروفاين: "لا آلهة، لا حياة بعد الموت، لا قاعدة مطلقة للأخلاق، لا معنى نهائي للحياة،ولا إرادة حرة للإنسان. هذه كلها مرتبطة بعمق بالمنظور التطوري. أنت هنا اليوم وسترحل غدًا، وهذا كل مافي الأمر".
إذن، بروفاين يقول لك مثل ما قال الأوَّلون ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ ويقرُّ بأنَّ هذا يعني انعدامَ أيِّ معنى أو غاية للحياة.
حَسْبَ الإلحاد، استكشف كما تريد واسأل كما تريد، لكن، ليس من حقِّك أن تسأل عن الغاية من وجودك أنت أيُّها المستكشف.
عندما نتكلَّم في أحكامٍ شرعية، فكثيرًا ما يُعتَرَضُ علينا بمقولة: (الإنسان استكشف المريخ، وأنتم لا زلتم تتكلَّمون في هذه الأمور)، بل السُّؤال موجَّهٌ لكم أنتم أيُّها الجاهلون! هل يُعقل أن يستكشف الإنسان القمر والمريخ، ويتكلَّم عن المجرَّات التي تبعد عنَّا مليارات السَّنوات الضوئيَّة، ثمَّ يجهلُ نفسه التي بين جنبيه، والغاية من وجودها؟
قد يَخدعُ الإنسان نفسه فترةً من الزَّمن لكن، ماذا بعد ذلك؟ ماذا اختار بعضهم كبديلٍ عن هذه المهمَّة الصَّعبة؟ مهمَّة إيهام النَّفس بأنَّ للحياة غاية، وهي لا تؤمن بما بعد الموت.
ولذلك فهي مهمة صعبة جدًا أن تقنع الناس بأن الحياة جديرة بالعيش، وبالتالي أرى أن الطريقة الوحيدة الممكنة للتعامل مع الأمر، هي إلهاء وتشتيت الناس فأن أشغل نفسي بهذا، فصناعة الأفلام إلهاء رائع،
تذكَّر وأنت تقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَاَلذِّين نَسُوا اَللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أَنْفُسَهُمْ﴾ ]
نسوا الله فأنساهم الغايةَ مِن خَلْقهم، وأنساهم العمل لما ينفعهم، واهتمُّوا بكل شيءٍ، إلَّا بأنفسهم الَّتي بين جنبيهم،
ألقى كراوس محاضرةً في جامعة كونواي "conway" بنفس مضامين الكتاب، وبعد أن شرح دقَّة القوانين الَّتي تحكم الكون -دقَّةً مذهلةً-، قال: "العالَم الذي نتواجد فيه، استثنائيٌ جدًا، لكنه صدفة"،
الملحد ستيفن هوكينغ "Stephen Hawking"، القائل كما ذكرنا من قبل: "الجنس البشري هو مجرَّد وسَخٍ كيميائي، موجودٍ على كوكبٍ متوسط الحجم"، هو أيضا القائل في نفس السِّياق: "إنَّنا عديمو الأهميَّة تمامًا، بحيثُ لا يمكنني أن أُصدِّق أنَّ هذا
الكون كُلَّه موجودٌ مِن أجلنا".
كذلك تجد في مواقع الملحدين كلامًا نصُّه الحرفيُّ: "صورتنا الجديدة عن علم الكون تخبرنا أنَّنا أتفه مما كنا نتصوُّر في الكون، ليست لنا قيمة على الإطلاق، فلماذا سيكون هكذا كونٌ نحن فيه عديمو الأهمية لهذه الدرجة قد خُلِقَ لأجلنا"
في التَّصوُّر الإسلامي، نحن مخلوقون لغايةٍ عظيمة: عبادةِ الله تعالى وتكوين علاقة المحبَّة بيننا وبينه، وأن تَظهر فينا آثار صفاته، آثار كرمه، وإنعامه، ورحمته، وعفوه، وهدايته وإحسانه، فغايةٌ كهذه، تستحقُّ تسخير الكون، لصالح مَن كُلِّفَ بها قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ [القرآن:45:13]
بينما الملحدون يقولون لك:"لا، بل نحن أحقر وأحطُّ مِن ذلك"،
ومع ذلك، يعتقد البعض أنَّ الإلحاد يحترم الإنسان
لسانُ حالِ الملحدين يقول غايتنا في الحياة، أن نقنع النَّاس بأنَّه لا غاية للحياة
الإنسان في ظِلِّ الإلحاد وسَخٌ كيميائي، تافه، لا يستحق أن يوجد الكون من أجله، أصوله حيوانيَّةٌ منحطَّة، عقله مشكوكٌ في مصداقيَّته -كما بيَّنَّا-، حياته بلا معنى، بلا أخلاق مطلقة، بلا غاية، بَل مجرد تساؤله عن الغاية والمصير، تساؤلٌ تافه، ومَن قال بغير ذلك من الملحدين فإنَّه يخالف إلحادَه، ولا ينسجم مع نفسه، ومع ذلك، يعتقد البعض أنَّ الإلحاد يحترم العقل والإنسان
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 31 May 2024 - 13min - 45 - رحلة اليقين (9) - رصاصة دارون على الإنسانية (جزء 2 من 2) - د. إياد قنيبي
ما القيم التي ينادي بها كثيرٌ من الملحدين الدَّاروينيِّين هذه الأيَّام؟
- الحرِّية
- المساواة
- حقوق الإنسان
- حقوق المرأة
تعالوا نرى وضع المرأة حسب الأسس العلمية الدَّاروينيَّة:
كان داروين"Charles Darwin" قد بذر بُذُور وصف المرأة بالدُّونيَّة تطوُّريًّا، ففي كتابه (أصل الإنسان) عقد فصلًا بعنوان: (القدرات الذِّهنيَّة للرَّجل والمرأة) وقال فيه عن بعض خصائص المرأة: "هي خواصُّ الأعراقِ الأدنى"
في الدَّاروينيَّة ليس هناك أي مبررٍ للتَّحلي بأيٍّ من الأخلاق، بل إنَّ الصِّراع الدَّارويني يتطلَّب من العرقيَّات التي ترى نفسها أرقى تطوُّريًّا أن تتحلَّى بأخلاق الأنانيَّة والطَّمع والاستئثار، والاعتداء على العرقيَّات الأحطِّ منها لتُبِيدَها وتتكاثرَ على حسابها.
أنت أيُّها الملحد أمام أحد خيارين: إما أن تتَّبع أسلافك هؤلاء، وتتَّبع نهجَهم (الإجرامي) عفوًا، (الأخلاقي) حسب داروينيَّتكم أو أن تقرَّ بالقيم الأخلاقيَّة وقيم المساواة بين البشر من حيثُ الأصل وترفض الممارسات الدَّاروينيَّة المذكورة، وحينئذٍ فأنت تُنَاقِضُ نفسَك، لأنَّ تفسيرك المادِّي للكون لا يصلح كأساسٍ للقيم المعنويَّة كما بيَّنَّا في الحلقة الماضية، ولأنَّ اقتراضَك لأخلاقٍ من خارج منظومَتِك الفِكريَّة المادِّيَّة هو اعترافٌ ضمنيٌّ منك بفشل منظومتك المادِّيَّة الدَّاروينيَّة، وعدم كِفايتها في تلبية حاجات الإنسان
إنَّك أيُّها الملحد حين تتبنَّى قيمًا إنسانيةً في التَّعامل مع كافَّة الأجناس دون تفرقة، وعندما تتبنَّى قيمة الرَّحمة بالضُّعفاء، تكون قد مارست ممارساتٍ لا أخلاقيَّة حسب داروينيَّتِكَ، تَكونُ قد فعلت كما في المثال الذي ضربناه أول الحلقة: سمحت لكائناتٍ أدنى في السُّلَّم التَّطوُّري،
بالتَّكاثر على حساب الكائنات الأرقى.
يقولون لك: هناك ملحدون أخلاقهم حسنة.
فنقول: ليس سؤالنا عن إمكانيَّة أن يكون الملحد حسن الأخلاق أو المؤمن سيِّـئ الأخلاق، بل السُّؤال العقلاني هو: هل الإلحاد يؤدِّي إلى الأخلاق الحسنة؟
لا شكَّ أنَّ ما لدى بعض الملحدين من أخلاقٍ حسنة ليس سبَبُه إلحادَهم، فالاعتقادُ بأنَّنا في هذه الحياة بلا هدف، بلا رقيب، بلا جزاءٍ على أعمالنا خيرِها وشرِّها هذا الاعتقاد لا يمكن أن يكون دافعًا نحو الأخلاق الحسنة، لكن الإنسان في النِّهاية يتأثَّر بمجموعة عوامل:
كالتَّربية في الصِّغر، والبيئة المحيطة، وليست القناعة الإلحادية هي العاملَ الوحيد في صياغة الأخلاق، أما الإيمان بوجود الله إيمانًا صحيحًا ضِمْن التَّصوُّر الإسلامي فإنه يَدفَعُ نحو مكارم الأخلاق، وإذا كان لدى المؤمِن سوءُ خلق، فهذا لنقصٍ في إيمانه لا أنَّ الإيمان هو الذي تسبَّب في سوء الخلق أو أدَّى إليه.
الملحدُ ينسجمُ مع إلحادِه إذا تحلَّى بأسوأ الأخلاق، ويمارِسُ فصامًا نفسيًا ويـخُون مادِّيَّته إذا تحلَّى بمكارم الأخلاق.
يقول لك الملحد: العلم الحديث يساعدنا في إبطال أخطاء (نظريَّة داروين) التي أدَّت إلى تفرقةٍ وطبقية، دون هدم النَّظريَّة من أساسها.
أعود وأؤكِّد أن هذا ليس مقام تفنيد التَّطوُّر الدَّارويني، لكن كجوابٍ على هذه النقطة نقول: التَّطوُّر الدَّارويني يؤكِّد على أنَّ كلَّ الكائنات
بما فيها الإنسان هي في تطوُّرٍ مستمر، وهذا يَلزَمُ منه وجود أعلى وأدنى في أعراق الإنسان الموجودة حاليًا، هذا لا خلاف عليه بين الدَّاروينيِّين.
قد يقع الخلاف بينهم على معيار هذا التَّفاضل التَّطوُّري، هل هو حسب حجم الجمجمة؟ أو لون العينين؟ أو بروز الجبهة؟ أو حجم الأنف؟
أو الذَّكاء؟ أو المهارات؟ أو البنية النَّفسيَّة؟ إلى آخره.
لكن من حيثُ المبدأ لابدَّ من وجود أدنى وأرقى في الأعراق البشريَّة حسب الدَّاروينيَّة، مما يؤدِّي حتمًا إلى التَّفرقة البغيضة التي رأيناها.
تَفْهَمُ بعد هذا كلِّه نعمة تأكيد الإسلام على مساواة البشر بعضهم ببعض من حيثُ الأصل: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [القرآن 49: 13]
(أتقاكم)، فجعل مجال التَّنافس أمرًا يملك الإنسان أن يسعى لتحصيله، (التَّقوى) لا لونَ البشرة، ولا حجمَ الشَّفتين، ولا تفلطحَ الأنف.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 27 May 2024 - 09min - 44 - رحلة اليقين (8) - رصاصة داروين على الإنسانية (جزء 1 من 2) - د. إياد قنيبي
الملحِدون حين أنكروا الله، لَجأ مُعظَمُهم، إلى ما يُعرف بنظرية التطّور لـ(داروين) كتفسيرٍ لوجود الإنسان، وسنُناقش هذه النظرية نقاشًا علميًا في الموضِع المناسب بإذن الله، وإنّما يَعنينا هنا الإشارة إلى بعضِ النتائج الأخلاقية (للتطّور الدارويني)
لِنرى هذا الذي تبنَّى التطّور كبديلٍ عن وجود الله: هل زوَّده هذا البديل بأيّ أساسٍ للأخلاق؟ أَمْ على العكس تمامًا؟
(التطوُّر الدارويني) يقوم على أنَّ الكائنات جاءت عَبْر تطوُّر خليةٍ أولية، بطَفراتٍ عشوائيِّة وانتخاب طبيعي.
الانتخاب الطبيعي يعني: أنَّ البقاء في هذه الطبيعة هو للكائن الأصلح في قدرته على التكيُّف مع الطبيعة.
و البقاء للأصلح يعني: الصراع مع الكائنات الأخرى الأحطّ في السُّلَّم التَّطوُّري
فالصراع هو قانون الطبيعة حَسْب داروين، نَشَرَ ذلك في كتابه (أصل الأنواع)، ثُمَّ في كتابه "The Descent of Man" (أصل الإنسان).
سحب داروين نظريته على الإنسان، واعتبر أنّه تطوَّرَ من أصلٍ شبيهٍ بالقرود، وحين يتكلَّم داروين عن الإنسان الأرقى تطوُّريًا، فإنَّما هو يعني (الأوروبيّ الأبيض) أمّا باقي الأجناس فهم عند داروين في مرحلةٍ وسطى بين القرود والغوريلّا وسلفِهم، وبين الإنسان، أي: لم يكتمل تطوُّرهم بعد.
كيف؟ يقول تشارلز داروين في كتابه (أصل الإنسان) في الفصل السادس: "في فترةٍ مستقبليةٍ ما ليست ببعيدة إذا ما قِيست بالقرون
ستَقوم الأجناس المتحضِّرة من الإنسان، وبشكل شِبه مُؤَكَّد بإبادة واستبدال الأجناس الهَمَجيِّة عَبْر العالَم"
أَطلق داروين بأفكاره هذه الرصاصة على إنسانيّة الإنسان واستند عليها الأوروبيّون للقيام بإباداتٍ جماعية وحملات تطهيرٍ عِرقي،
خاصَّةً ضد الإفريقيِّين وسُكَّان الأمريكتين وأستراليا الأصليين فهؤلاء أقرب للحيوانات في نظر الداروينيِّين.
صحيحٌ أنَّ كثيرًا من المُمارسات الإجرامية كانت تَتِمّ قبل انتشار فكرة التطوّر الدارويني، لكنَّ هذه الفكرة أراحت ضمائر المجرمين، فقد أصبح لِجَرائمهم مبرِّرٌ علميّ، فاسْتَمرّوا في أفعالهم، بل وتَصاعدت وتيرتُها.
مَلَفّ الإجرام الذي مُورِسَ كبيرٌ جدًا لا يتَّسِع له المقام، لكنْ إشاراتٌ سريعة تُقَرِّب لك الصورة:
وشمِلت الحملات سرقة أعدادٍ كبيرة من الأطفال الأستراليّين الأصليّين، وتم إرسال أعدادٍ كبيرةٍ منهم إلى متاحف التاريخ الطبيعي في أمريكا وبريطانيا لتحديد ما إذا كانوا يُشَكِّلون الحلقة المفقودة في طريق تطوّر الحيوان إلى إنسان، وقد اعتذر رئيس وزراء أستراليا
كيفن رود "Kevin Rudd" للأجيال المسروقة قبل 9 سنوات فقط في 13 فبراير 2008، وانتشر الخبر بعنوان: "الاعتذار الرسمي من كيفن رود للأجيال المسروقة"
أبدًا، بل لا زالوا يَتَبنَّون الداروينيّة، ولا زالت عقيدتها في نفوسهم، وبدافع الداروينيّة أيضًا أقنع البِيض بعض القبائل الإفريقية أنّها أرقى تطوُّريًا من قبائل أخرى، لِاختلاف طول الأنف أو ارتفاع القامة إلى آخره، وكان ذلك أحد الدوافع لحروب إبادةٍ بين هذه القبائل التي كانت تعيش بسلام، كما في مأساة رواندا "Rwanda" بين التوتسي والهوتو"Tutsi and Hutu"
بل لم يَسلم الداروينيّون من شرّ أنفسهم وبِاسم الداروينيّة أيضًا، فبعضهم رأى نفسه أرقى من البعض الآخر تطوُّريًا، فبعد أربعين عامًا من كتاب داروين (أصل الإنسان)، قامت الحرب العالميّة الأولى.
ما علاقة الحرب العالميّة الأولى؟ أليس سببُها حسبما تعلّمناه في المدارس هو اغتيال ولي عهد النمسا وزوجتِهِ مِنْ قِبَل طالب صربيّ؟
هذه كانت مُجرَّد شرارة، لا تُفسِّرُ اشتعال أوروبا كلِّها خلال أيام لتنخرط، في هذه الحرب، إنّما كانت هناك عوامل شحنت النفوس للحرب، أسباب دينية، سياسية.
ومن أهمّ الأسباب: انتشار الداروينيّة الاجتماعية التي هَيّأت كثيرًا من الأوروبيّين المؤمنين بها لدخول الحرب، والتصرُّف فيها كحيوانات برِّيَّة، فالصراع وسفك الدماء هو قانون الطبيعة عندهم، وقد ذكر هذا الدور الداروينيّ في الحرب، كثيرٌ من الكُتَّاب: كالكاتب البريطاني جيمس جول"James Joule" في كتابه (منابِع الحرب العالميّة الأولى)، وكذلك ريتشارد هفستاتر "Richard Hofstadter" في كتابه: (الداروينيّة الاجتماعيّة في الفكر الأمريكي) والذي أُلِّف أثناء الحرب العالمية الثانية.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 24 May 2024 - 10min - 43 - رحلة اليقين (7) - أخلاق الإلحاد (ندعوك للغداء) - د. إياد قنيبي
بالنِّسبة لمُنكر وجود الله، كلُّ القيم الأخلاقيَّة الَّتي يُحسُّ بها الإنسان الأصل فيها أن تكون مثل هذه الخربشات لا قيمة لها ولا معنًى لها فلا يَتصرَّف على أساسها فقد جاءت بها حسب معتقده العشوائيَّة الَّتي لا تدري ما تفعله ولا تعِد بشيءٍ، ولا تلتزم بشيءٍ في الإلحاد الَّذي يفسِّر الكون ووجودَه، تفسيرًا ماديًّا بحتًا لا مكان للقيم المعنويَّة أصلًا لا حقٌّ ولا باطل، لا خير ولا شرٌّ فهذه قيمٌ معنويَّة لا تُفسِّرها المادَّة وعندما يكون الإنسان ابن المادَّة لا شيء إلَّا المادَّة، فلا معنًى للرَّحمة ولا للصِّدق ولا للوفاء ولا لبرِّ الوالدين الإحساس بهذا كلِّه، إنمَّا هو نتيجة طَفَراتٍ جينيَّةٍ عشوائيَّةٍ، كخربشات الجهاز الخلويِّ.
في الإسلام، يوجد خالقٌ كامل الصِّفات أمر عباده بأخلاقٍ تنسجم مع صفاته فهذا الخالق عدلٌ، حرَّم الظُّلم على نفسه فمفهومٌ أن يُحرِّمه على عباده فقال:«يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسيِ وجعلتُهُ بينَكُمُ محرمًا فلا تَظَالموا»(صحيح مسلم) رحيمٌ وأمرَ عباده أن يتراحموا وقد فطر الخالقُ الإنسان على محبَّة هذه القيم، وكراهية ما يُضادُّها: كالشَّرَّ والظُّلم
عندما يُنكر الإنسان وجود الله تعالى فإنَّه يدخل في مسلسل التَّخبُّط الإلحاديِّ البائس كالَّذي رأيناهُ في الحلقة الماضية عن البدهيَّات العقليَّة لدى الملحد، لا خالقٌ ولا صفات كمالٍ، ليس إلَّا طبيعةٌ أوجدت الإنسان وهذه الطَّبيعة مادِّيَّة، ليس لها صفات كمالٍ معنويَّة فلا يمكن وصفها بالعدل أو الحكمة مثلًا وبالتَّالي، فلا مكان للقيم المعنويَّة في إنسانٍ مُتولِّدٍ عن هذه الطَّبيعة.
لكن ماذا عن شعور الإنسان بمحبَّة الخير وكراهية الشَّرَّ؟ هي حسب الإلحاد طفراتٌ جينيةٌ عشوائيَّةٌ جعلته يتوهَّم أنَّ هناك خيرًا، ويحبُّ ذلك الخير الوهميَّ وأنَّ هناك شرًّا، ويكره ذلك الشَّرَّ الوهميَّ.
قيل لأحد كِبار الملحدين ريتشارد دوكنز "Richard Dawkins" في النِّهاية، هل اعتقادك أنَّ الاغتصاب خطأ، أمرٌ اعتباطيٌّ تمامًا؟ كواقع أنَّنا تطوَّرنا بخمسة أصابع بدل ستَّة؟ فقال دوكنز: نعم، تستطيعُ قول ذلك.
أيْ كان يمكن للصُّدفة العمياء الَّتي يدَّعونها أن تَسير مسارًا آخر، يَنتجُ عنه شعور الإنسان أن لا خطأ في الاغتصاب والأمر اعتباطيٌّ تمامًا فلا يمكن وصفُ أيٍّ من الشُّعورَيْن بأنَّ الاغتصاب خطأ أو مقبول لا يمكن وصفه بأنَّه حقٌّ أو باطل، فهذا الشُّعور إنَّما هو وليد الصُّدفة العشوائيَّة.
إذن فالنَّزعة الأخلاقيَّة عند مُنكر وجود الله لا يُعرَف مصدرُها، ولا يمكن وصفها بحقٍّ أو باطل، ولا هي متوافقةٌ مع صفات موجودٍ أعلى، ولا حسابَ أُخرَويَّ عليها، فهي ليست مُطلقةً إذن، أي لا يمكن وصف أيِّ خُلقٍ بأنه ممدوحٌ بإطلاق أو مذمومٌ بإطلاق.
يَنتُج عن الإلحاد: أنَّ الطَّفَرات الجينيَّة العشوائيَّة قد تُنتج أُناسًا مختلفين جينيًّا وبالتَّالي، فمشاعرهم مختلفةٌ جدًّا تجاه
سلوكٍ واحد: كالاغتصاب أو التَّعذيب والسَّببُ: مادِّيٌّ بحت ولا يمكن وصف أيٍّ من مواقفهم بأنَّه حقٌّ أو باطل وبالتَّالي، فلا يمكن تجريمُ أو تخطئة إنسانٍ، مهما كان فعله لا أخلاقيًّا لأنَّ بإمكانه أن يقول: هو لا أخلاقيٌّ بالنِّسبة لك لكنَّه أخلاقيٌّ بالنِّسبة لي.
هناك أناسٌ في مجتمعاتنا المسلمة يستخدمون في مجال الأخلاق عباراتٍ نسبيَّة، وأنَّه لا مكان للحقيقة المُطلقة ويظنُّون أنَّه حتَّى النُّصوص الشَّرعيَّة الواضحة في مجال الأخلاق والقيم كلُّها محلُّ خلافٍ وليس فيها قطعيَّاتٍ. قد يكون من هؤلاء من يشمئزُّ من مقولات الملحدين الَّتي ذكرناها لكنَّه لا يُلاحظ أنَّها النَّتيجة الطَّبيعيَّة لفكرة النِّسبيَّة الأخلاقيَّة الَّتي يتكلَّم بها. إن لم تكن القيم مستندةً إلى نور الوحي، فالضَّياع! ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [النّور:40]
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 20 May 2024 - 11min - 42 - حُكم وحِكمة (7) - التجميل والمظهر العام مع الشيخ عمر عبد الكافي
الكثير يلجأ إلى عمليات التجميل لتحسين مظهره، لكن هل يجيز الشرع ذلك؟
هذا ما نعرفه في هذه الحلقة الثامنة من برنامج حكم وحكمة مع الدكتور عمر عبد الكافي وعنوانها التجميل والمظهر العام.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 19 May 2024 - 51min - 41 - رحلة اليقين (6) - كيف يلغي الإلحاد العقل والعلم؟ (جزء 2 من 2) - د. إياد قنيبي
لذا نقولُ للمُلحدِ: إن كانت الضَّروراتُ العقليَّةُ لا وجودَ لها، فكيف تُفسِّرُ اقتناعَ الناس كُلِّهم بها، بما يَدلُّ أنَّها مُكوِّنٌ عقليٌّ راسِخٌ لديهم؟ بلْ وعملَكَ أنتَ والنَّاسِ في الواقعِ بها؟
يُجيبُكَ المَنظُورُ الإلحاديُّ فيقولُ: بما أنَّ الإنسانَ جاء بالتَّطوُّرِ الدَّاروينيِّ، والمحرِّكُ في هذا التطوُّرِ هو الانتِخابُ الطبِيعيُّ والطَّفَراتُ العشوائيَّةُ الَّتي تُحقِّقُ للكائنِ العيشَ والبقاءَ، فما الَّذي يضمنُ أنَّ هذه الطَّفَراتِ طَوَّرتْ لنا عُقولًا قادرةً على الوصولِ إلى حقائقِ الأشياءِ؟
بلْ هذهِ العُقولُ يُمكنُ أن تُضلِّلَنا، وتجعلَ بعضَ الأمورِ مُسَلَّماتٍ عقليَّةً بالنَّسبةِ لنا معَ أنَّها مجرَّدُ وَهْمٍ في الحقيقةِ، وإنَّما تَخدَعُنا عُقولُنا لتُحقِّقَ لنا البقاءَ!
إذن، فالإلحادُ يَصِلُ بصاحبِهِ إلى أبعدَ مِنْ إنكارِ المُسلَّماتِ العَقليَّةِ، يَصِلُ بِهِ إلى التَّشكيكِ في مِصْداقيَّةِ العقلِ البشريِّ نفسِهِ.
نقولُ للمُلحِدِ: إلحادُكَ إذَنْ يُقِرُّ بأنَّ عقلَكَ يمكنُ أن يُضلِّلَكَ، وأن لا يَكتشِفَ الحقيقةَ، فكيفَ تَثِقُ بعَقلِكَ إذَنْ؟!
العقلِ، ويَتَّهِموا المُتَدَيِّنينَ بامتهانِ العقلِ بينما حقيقةُ الأمرِ أنَّ الإلحادَ يقودُ في النهايةِ إلى هدمِ مَوثُوقيَّةِ العقلِ نفسِهِ!
المُلْحدُ يَعِيبُ علينا إيمانَنَا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ والَّذي عُرِفَ بالصِّدقِ، معَ أنَّنا لم نَبْنِ إيمانَنَا على قولِهِ عن نفسِهِ أنَّهُ رسولُ الله فحسْب؛ بل ببراهينَ خارجيَّةٍ على صِدْقِهِ ونُبوَّتِهِ. وفي الوقتِ نفسِهِ يُصدِّقُ المُلْحدُ عَقلَهُ المَشكُوكَ في مِصدَاقيَّتِهِ وقدرتِهِ على الدَّلالةِ على الحقيقةِ لمُجرَّدِ أنَّ عقلَهُ قالَ له: صدِّقنِي!
[لا أحد يملك الحقيقة المطلقة]
كيفَ خرجَ الإلحادُ مِن هذا المَأْزقِ؟
مَأْزقِ الاعتمادِ على عَقلٍ يُمكِنُ أن يُضَلِّلَ عن حقائقِ الأشياءِ؟
أَجابَكَ الإلحادُ فقالَ: ومَن قالَ أنَّ للأشياءِ حقائقَ مُطْلقةً أصلًا، حتَّى تُضَلِّلَنَا عقولُنَا عنها؟!
قالُوا: بل ليسَ هناكَ شيءٌ اسمُهُ حقائقُ الأشياءِ، وإنَّما هي قراءةُ حَواسِّ الإنسانِ لها، كأنَّ الشَّيءَ بلا لَوْنٍ ولا مانعَ مِن أن يَرَاهُ كلُّ إنسانٍ بلَوْنِهِ الخاصِّ، ولا سبيلَ لأحدٍ أن يُخطِّئَ الآخرَ؛ لأنَّه لا يَستطِيعُ أحَدٌ أن يدَّعِيَ أنَّ الآخرَ خالفَ (الحقيقةَ)، لأنَّ كلَّ ما يُسمَّى (حقيقةً)، إنَّما هو مُنتَجٌ عَقليٌّ بشريٌّ لا قِيمةَ مُطْلَقةً لهُ مُستقِلَّةً عن أشخاصِنَا.
التَّسلسلُ الَّذي أدَّى إليه إنكارُ وُجُودِ اللهِ انتهى باعتبارِ كلِّ شيءٍ نِسْبيًّا، وهو الَّذي أَوجَدَ البيئةَ المناسبةَ لمَقُولاتٍ مثلِ: أنَّ الحقيقةَ لا يمتلكُهَا أحدٌ، وأنَّه ليسَ هناكَ حقيقةٌ مُطْلَقةٌ، وأنَّ الحقيقةَ نِسْبيَّةٌ.
هي نِسْبيَّةٌ عندهُم لأنَّ القَوْلَ بإطلاقِ الحقيقةِ، وبأنَّ للأشياءِ حقيقةً، يستلزمُ التَّسليمَ
بوُجودِ سُنَنٍ هناك مَن سَنَّها، وضروراتٍ عقليَّةٍ هناكَ من فَطَرَ الإنسانَ
على ما يُشبهُ البرمجةَ الَّتي تقبلُهَا، وهم لا يُريدونَ أن يُسلِّموا بهذا كُلِّهِ.
[هل الأشياء دليلٌ على الله أم أنَّ اللهَ هو الدليل على كلِّ شيءٍ؟]
بهذا إخوانِي تظهرُ تَبِعاتُ الإلحادِ حينَ أَنكَرَ كُلًّا من العِباراتِ المفتاحيَّةِ التِّسعةِ في المقدِّمةِ الإيمانيَّةِ القائلةِ: خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ بالحقِّ، ووَضَعَ لهُ بحكمتِهِ سُنَنًا ثابتةً، وفَطَرَ الإنسانَ على فِطْرةٍ تُنتِجُ له مُسَلَّماتٍ عقليَّةً بديهيَّةً ضروريَّةً، يَنطلِقُ منها عقلُ الإنسانِ
لاكتشافِ حقائقِ الأشياءِ.
فلَدَى المُلحِدِ: لا اللهَ، فلا خَلْقَ، ولا حكمةَ، ولا سُنَنَ ثابتةً، ولا فِطْرةَ، ولا مُسَلَّماتٍ عقليَّةً ولا عقلًا إنسانيًّا موثوقًا، ولا حقًّا، ولا حقائقَ مُطْلَقةً، ولا نتائجَ علميَّةً موثوقةً يمكنُ
تَعمِيمُها واستنتاجُ قَوَاعدَ منها، ولا لُغَةَ تَخاطُبٍ عقليٍّ مُشتركةً، ويَنفَرِط عِقْدُ كلِّ شيءٍ.. ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [القرآن 18: 28]، وهذه كُلُّها نتائجُ الالتزامِ بإنكارِ اللهِ تعالى، والَّذينَ تَوقَّفُوا عندَ دَرَكةٍ من دَرَكاتِ هذا الهبوطِ فإنَّما همْ تَعَامَوْا عنْ لوازمِ وتبعاتِ إلحادِهِم، وتناقضُوا معَ مُعتَقداتِهِم.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 17 May 2024 - 08min - 40 - رحلة اليقين (5) - كيف يلغي الإلحاد العقل والعلم؟ (جزء 1 من 2) - د. إياد قنيبي
سنرى كيف أنّ هذا يؤدِّي به إلى سلسلةٍ من الإنكارات:
إنكار المسَلَّمات العقليَّة، والأخلاق، وسؤال الغاية، والإرادة الحُرَّة.
إنكار وجود هذه المكوِّنات بشكلٍ فِطريٍّ، أو إنكار أن يكون لها قيمةٌ.
لماذا؟! أمَا كان يمكنه أن يُنكر الخالق، ويحافظ على هذه المسَلَّمات الَّتي يجدها المُلحد من نفسه رَغمًا عنه بدل الدُّخول في سلسلة المكابرة والضَّياع هذه؟
لا، لا يستطيع!
سنرى، وسنبدأ بالضَّرورات العقليَّة.
هذه الحلقة ستكون غزيرة الفائدة؛ سنناقش فيها: دلالة الضَّرورات العقليَّة على وُجود الله تعالى، كيف يُسقِط الإلحادُ المنهجَ التَّجريبيّ، هل الإلحاد يحترم العقل أم يُسقِطه؟ تناقض المُلحدين، مقولة: "الحقيقة نسبيَّةٌ، وليست هناك حقيقةٌ مُطْلقةٌ"، ما أصْلُها وما نتائجها؟ هل الأشياء دليلٌ على الله؟ أم أنَّ الله هو الدَّليل على كلِّ شيءٍ؟
بدايةً إخواني الإيمان يؤسِّس كلَّ شيءٍ على وجود الله تعالى؛ ففي المنظور الإيمانيّ:
خَلَقَ اللهُ السَّماوات والأرض بالحقِّ، ووضع لها بحكمته سُننًا ثابتةً. وفَطَرَ الإنسان على فِطرةٍ
تُنتِج له مُسَلَّماتٍ عقليَّةً ضروريَّةً، يَنطلِق منها عقل الإنسان لاكتشاف حقائق الأشياء.
المُلحد لديه مشكلةٌ مع كلِّ عِبارةٍ من هذه العِبارات التسع:
(خَلَقَ)، (الله)، (بالحق)، (بحكمته)، (سُننًا ثابتة)، (فِطرة)، (مسَلَّماتٍ عقليةً ضروريةً)، (عقْلُ الإنسان)، (حقائق الأشياء).
وسنبيِّن ذلك بالتَّفصيل.
في المنظور الإيمانيّ يقول الله تعالى:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)؛ أيْ أنَّه أوْجَد في الإنسان الانجذابَ الفِطريّ، والقابليَّةَ لمعرفةِ الحقِّ في المُدْرَكات والأخلاق، والبحثِ عن الغاية الحقِّ من الحياة، يُودِع هذه المعاني في نفس كلِّ إنسانٍ يَخرج للحياة ليبتدئ بها تَعلُّمَه؛ (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) ، وهذا مِن أشكال الهداية، وقُلنا أنَّ هذه الفِطْرة للإنسان تُشبِه نظام التَّشغيل للحاسوب.
في المنظور الإلحاديّ، الإنسانُ جاء وَليدَ الصُّدْفة والعشوائيِّة، لا لِحِكْمَةٍ؛ وليس هناك شيءٌ اسمه فِطْرةٌ.
لكن، كيف تفسِّرون أيُّها المُلحِدون وجودَ ما يُشْبِه نظام التَّشغيل للإنسان؟ بدايةً، كيف تفسِّرون وجود البَدَهيَّات العقليَّة؟ أي المُسَلَّمات العقليَّة والضَّرورات العقليَّة، مثل: مبدأ أنَّ البَعْضَ أصغر من الكلِّ، وأنَّ (1+1=2)، وأنَّ النَّقيضَين لا يجتمعان، وأنَّ لكلِّ حدثٍ سببًا، هذه قواعدُ عقليَّةٌ يَبني عليها الإنسانُ معارِفه ولا تنبني على شيءٍ قبلها؛ فلا بدَّ أنَّ هناك مَن أوْدع في نَفْس الإنسان فِطرةً تتعرَّف عليها.
المُلحدون أدركوا وجود هذه المشكلة، لكنَّهم أصرُّوا على التَّهرُّب من فكرة أنَّ هناك (برمجةً) يمكن وصْفُها بأنَّها (حقٌّ)، تُحلِّل المُدْخلات الحِسِّيَّةَ مِن جهةٍ، وتُعْمِل العقل مِن جهةٍ، لتَصل إلى نتائج حَقَّةٍ، إذْ هذه البرمجة تحتاج إلى مَن يُوْدِعها في نفْس الإنسان فأصرُّوا على أنَّ البرمجة وَلِيْدَة الحواسّ.
فيقولون: لا، فنحن لا نرى قاعدة السَّببيَّة حقيقةً مطلقةً عامةً نلتزِم آثارها في كلِّ شيءٍ.
أَدْرك هؤلاء مدى تناقضهم وهم يلتزمون بالسَّببيَّة في حياتهم اليوميَّة، والاستكشاف وبناء النَّظريَّات العلميَّة، وفي كلِّ شيءٍ، بينما عندما تأتي المسألة إلى الحقيقة الكبرى، وهي سبب هذه الأسباب كلَّها ومصدر الكون، يُنكرون السَّببيَّة، فماذا فعلوا للخروج من هذا التَّناقض؟
أنكروا الضَّرورات العقليَّة بالكليَّة من الأصل، ومنها حقيقة أنَّ لكلِّ حادثٍ سببًا، وقالوا: الأشياء التي نظنُّ أنَّها أسبابٌ، إنَّما حدثتْ باقترانٍ مع ما نظنُّه نتائج، بينما قُصارى الأمر أنَّهما حَدَثانِ تعاقَبا، ولا علاقة لأحدهما بالآخر، وعليه اعتبروا أنَّهم خرجوا من مأزق سبب وجود الكون، فقالوا أنَّ الكون يمكن أن يوجَد بلا سببٍ أصلاً! أو أن يُوجِد نفسَه بنفسه!
العشوائيَّة والصُّدْفة لا يضعان سُننًا ولا يُوجِدان حقائق مطْلَقةً؛ لذلك، أنكروا المسَلَّمات العقليَّة وعلى هذا فالعِلْم التَّجريبيُّ يصبح عبثًا، بل وتطبيق نتائجه يصبح عبثًا؛ ففَايروس الإيدْز ليس سببًا في الإيدْز، إنَّما هما أمران اقْتَرَنا. والأمراض ليس لها أسبابٌ، والعلاج ليس سببًا للشِّفاء. ولو أنَّ مرضًا جديدًا ظَهَر، فمِن العبث ومضْيَعة الوقت أن تُنفَق المليارات على معرفة سببه، فقد نكتشف في النِّهاية أنَّ هذا المرض هو كالكَوْن بلا سببٍ!
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 17 May 2024 - 10min - 39 - رحلة اليقين (4) - هل نحن مفطورون على عبادة الله؟ - د. إياد قنيبي
سنرى اليوم هذا السُّلوك الإلحاديَّ مع أوَّل مُكوِّنٍ، ألا وهو: نزعة التَّدين، ونقصد بالتَّدين: إدراك الإنسان أنَّ له ولهذا الكون خالقًا مدبِّرًا، والرَّغبة في عبادة هذا الخالق والتَّقرُّب منه، والشُّعور بالحاجة إليه، وكذلك الُّلجوء إليه عند الشَّدائد
المنظور الإسلاميُّ يذكر وجود هذه النَّزعة كحقيقةٍ مسلَّمةٍ، وذلك في آيات كثيرة،كقول الله تعالى:"وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا" الإنسانُ عمومًا؛ لأنَّها فطرةٌ مزروعةٌ في كلِّ إنسانٍ،
وقولنا بفطريَّة التَّديُّن يعني: أنَّه مُكوِّنٌ صميميٌّ راسخٌ في النَّفس البشريَّة، وجزءٌ أصيلٌ مِن تكوينها، توجَد جذوره منذ ولادة الإنسان، بغضِّ النَّظر عن المؤثِّرات الخارجيَّة
في البداية، أنكر الملحد فطريَّة التَّديُّن، وقال: "بل إيمان النَّاس بِوجود خالقٍ أمرٌ مكتَسَبٌ بتأثير التَّربية، وتناقُل الأجيال لهذه الدَّعوة، ولو تُرِك الإنسان ونفسَه، فليس هناك ما يدعوه للإيمان بوجود خالقٍ"
ويقول لك الملحد: "هناك معتقداتٌ كثيرةٌ، يؤمن بها أصحابها مع أنَّها مجرَّد خرافاتٍ، كبابا نويل، الَّذي يأتي على عربةٍ من السَّماء، ليلة العيد -عيد الميلاد-، والتِّنِّين الَّذي ينفث النَّار..."
فأصالةُ التَّديُّن في النَّفس البشريَّة أمرٌ تؤكِّده دراسات الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، والسُّوسيولوجي (علم الاجتماع)، وبات من المألوف في العديد من الدِّراسات التَّعبير عن فطريَّة التَّديُّن بأنَّ الدِّين أشبَهُ ما يكونَ بشيءٍ قد تمَّ تسليكه في الإنسان "religion is hardwired in humans” يعني: هو مُكوِّنٌ صميميٌّ في الإنسان، مختلِطٌ بلحمه ودمه كالشَّرايين والأعصاب، وهي حقيقةٌ ضاربةٌ في عمق التَّاريخ،
لكنَّ ترديدهم المَرَضيَّ لمثل هذه العبارات، بمناسبةٍ أو بدون مناسبةٍ يدلُّ على نفسيَّاتٍ مُتصارِعةٍ، تُغالِب صوتًا عميقًا فيها وتحاول كَبْتَه، وإلَّا لَمَا احتاجوا إلى هذه الضَّوضاء، خاصَّةً وأنَّ الملحد لا ينتظر جزاءً أخرويًا على الاستعلانِ بمعتَقَدِه، ولا لديه دوافع أخلاقيَّةٌ مطلقةٌ تدفعُه إلى استنقاذ النَّاس مِن ضلال الإيمان بالله حَسْبَ معتقده ولفراغٍ يعصف بكثيرٍ من الملاحدة، بعد أن أنكروا هذا المكوِّن الِفطريَّ الَّذي يفرِض نفسه عليهم، بدأوا بتأسيس لونٍ من التَّجمُّعات الإلحاديَّة على نحوٍ طُقوسيٍّ مشابهٍ إلى حدٍّ بعيد التَّجمُّعاتِ الدِّينيَّة، مثل: ما يعرف بكنائسِ الملاحدة (كنائس الملحدين)atheist churches والَّتي بدأت بالانتشار في دولٍ متعدِّدةٍ، كأمريكا وكندا وبريطانيا في تعبير واعٍ أو غير واعٍ عن مكنُونٍ فطريٍّ، يبحث عن شكلٍ مِن أشكال التَّنفيس وصَدَق ابن القيِّم إذ قال:"إنَّ في القلب فاقةً أي حاجةً لا
يسدُّها شيءٌ سوى الله تعالى أبدًا، وفيه شعثٌ يعني تفرُّق لا يلمُّه غير الإقبال عليه، وفيه مرضٌ لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده"
قالوا: نزعة الإيمان بالخالق ليست بالضَّرورة أن تكون مطابقةً للحقيقة، بل قد تكون مجرَّد توهُّم أنتجته العشوائيَّة، قد تكون صفةً انتخبتها الطَّبيعة لتساعد الإنسانَ على البقاء، وسنبحث عن سببٍ ماديٍّ لنزعة التَّديُّن، وبدأتْ بالفعل تتشكَّل مجالاتٌ معرفيَّةٌ خاصَّةٌ لدراسة هذه الظَّاهرة فقد تفرَّع عن علم الأعصاب الـ(Neuroscience)، ما بات يعرف بـ (neurotheology)، أي: علم اللَّاهوت العصبيّ؛ وهو مجالٌ بحثيٌّ يسعى للكشف عن طبيعة الصِّلة بين الجهاز العصبيّ وظاهرة التَّديُّن، بل بلغ الأمر إلى التَّفتيش عن جينٍ مسؤولٍ عن نزعة التَّديُّن هذه فقد نشر عالم الجينات الأمريكي دين هامر "Dean Hamer" كتابًا سنة 2005 بعنوان:(The God Gene: How Faith Is Hardwired into Our Genes) يعني: (الجين الإلهي: كيف ضُمِّن الإيمانُ في جيناتنا)،
بدايةً، لاحِظ أنَّ هؤلاء الملحدين لم يبحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لقناعة بعض النَّاس بوجود التِّنِّين، ولا لأمثلة الملحدين السَّخيفة الَّتي يضربونها؛ ليقولوا أنتم تفترضون وجود إلهٍ، وأيُّ إنسانٍ قد يفترض شيئًا آخر، كوحش الإسباغيتي الطَّائر، أوالإبريق الدَّائر في الفضاء لأنّه فرقٌ كلَّ الفرق بين هذه المعتقدات والأمثلة السَّخيفة، وفي المقابل نزعة التَّديُّن الأصيلة، شديدة العمق في الجنس البشريِّ
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 10 May 2024 - 11min - 38 - رحلة اليقين (3) - الفطرة والكمبيوتر - د. إياد قنيبي
أيُّها الأحبَّةُ، سنَبدأُ اليومَ بأصلِ الأصولِ: بإثباتِ وجودِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لِنُؤسِّسَ القاعدةَ الَّتي منها ننطلقُ إلى ما بعدَها.
بدايةً إخوانِي، ما الَّذِي يدُلُّنا على وجودِ اللهِ؟ إنَّها الفِطْرةُ والعقلُ.
وسنتكلَّمُ في البدايةِ عنِ الأدلَّةِ الفطريَّةِ: ما هيَ الفطرةُ؟ كثيرًا ما نسمعُ هذهِ الكلمةَ، ماذا تعنِي؟ وكيفَ تدُلُّ على وجودِ اللهِ تعالى؟
الفطرةُ هي قُوًى واندفاعاتٌ مودَعَةٌ في نفسِ الإنسانِ، تظهرُ آثارُها أثناءَ نموِّهِ وتفاعلِهِ معَ بيئتِهِ، بدءًا مِن الْتِقامِهِ ثديَ أُمِّهِ ليرضعَ، ثمَّ انجذابِهِ للحقائقِ والأخلاقِ السَّليمةِ.
يمكنُ تشبيهُ الفطرةِ للإنسانِ، بنِظامِ التَّشغيلِ للحاسوب "Operating System"
نظامُ التَّشغيلِ هذا لهُ مكوِّناتٌ تتعاونُ وتأتلفُ فيما بينَها لتُعطيَ إنسانًا سَوِيًّا، لاحِظْ قولَ اللهِ تعالى:}لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{
فأحسنُ تقويمٍ: يشملُ المكوِّناتِ الفطريَّةَ اللّازمةَ لتحقيقِ الغايةِ مِنْ خلقِ الإنسانِ، وهيَ تُفهَمُ كذلكَ منْ قولِ اللهِ تعالى حِكايةً عن موسى عليهِ السَّلامُ: }رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ{
فإنَّ مِمَّنْ هدَى: الإنسان؛ فاللهُ تعالى أحسنَ تقويمَ الإنسانِ، وهداهُ بالفطرةِ.
فهداهُ بالفطرةِ إلى:
1- الإقرارِ بأنَّ لهُ ولهذا الكونِ خالقًا مُدبِّرًا، والشُّعورِ بالحاجةِ إلى هذا الخالقِ، وكذلكَ اللُّجوءِ إليهِ عندَ الشَّدائدِ.
2- وهداهُ بالفطرةِ الَّتي ستُكَوِّنُ لديهِ المُسَلَّماتِ العقليَّةَ، والَّتي بِها يَفهمُ خطابَ هذَا الخالقِ وتكليفَهُ إِيَّاهُ.
3- وهداهُ إلى السُّؤالِ عنِ الغايةِ منْ وجودِهِ، ومصيرِهِ بعدَ موتِهِ، بما يُكَوِّنُ القوَّةَ الدّافعةَ للبحثِ عن أمرِ خالقِهِ، والعملِ بهِ.
4- وهداهُ أيضًا إلى النَّزعةِ الأخلاقيَّةِ مِنْ محبَّةٍ فطريَّةٍ للخيرِ والعدلِ والصَّلاحِ، وكراهيةٍ للشَّرِّ والظُّلمِ والفسادِ بما ينسجمُ معَ أوامرِ الخالقِ الشَّرعيَّةِ، فيميلُ إلَيها الإنسان ُويحبُّها.
5- وهداهُ للشُّعورِ بالإرادةِ الحُرَّةِ، بما يجعلُهُ مختارًا لأفعالِهِ في طاعةِ الخالقِ أو معْصيَتِهِ: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»
6- وهداهُ إلى الغرائزِ اللّازمةِ لِمَعيشتِهِ بشكلٍ سَويٍّ ما دامَ في فترةِ الاختِبارِ على هذهِ الأرضِ، كغريزةِ الأمومِة، وغريزةِ حُبِّ البقاءِ.
هذا التَّعريفُ المُوَسَّعُ للفطرةِ تجدُ قريبًا منهُ في كلامِ ابنِ عاشورَ في (التَّحريرِ والتَّنويرِ) عندَ قولِ اللهِ تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»
فهيَ إذًا حُزْمةٌ فطريَّةٌ، تتعاونُ بشكلٍ عجيبٍ لتُنتجَ إنسانًا سوِيًّا يعملُ لغايةٍ.
قد يحجُبُ الفطرةَ ما يحجُبُها أثناءَ مسيرِ الإنسانِ.
قد يُغالِبُها الإنسانُ، ويَصُمُّ أُذُنَيْهِ عنْ ندائِها، بلْ ويكبِتُها ويطمِسُها؛ فلا يعودُ يسمعُ هذا النِّداءَ العميقَ، لكنَّ هذا كُلَّهُ لا يُلغي حقيقةَ أنَّها موجودةٌ أصالةً وابتداءً فيهِ قبلَ هذِهِ المُغالَبةِ، وتبقى تهجُمُ عليهِ الفَيْنةَ بعدَ الفَيْنةِ، وتنجذبُ لما ينبشُ عنها وينفضُ الرُّكامَ المُتجمِّعَ عليها.
لذا فالفطرةُ تشكِّلُ مأزقًا كبيرًا للملحدينَ، فالفطرةُ تشكِّلُ بالنِّسبةِ لهمْ تدخُّلًا خارجيًّا من قوَّةٍ مُريدةٍ عليمَةٍ، مُتعاليةٍ عن التَّفاعلاتِ لبيوكيميائيَّةِ العشوائيَّةِ
وَرْطةُ الملحدينَ هيَ كوَرْطةِ شخصٍ قالَ لكَ: هذا جهازُ حاسوبٍ تكوَّنَ بِمَحْضِ الصُّدفةِ تركَّبتْ أجزاؤُهُ وتناسقَتْ دونَ صانعٍ، وإنَّما رياحٌ عاصفةٌ هَوْجاءُ جمَّعتْهُ على هذا النَّحْوِ.
فتحْنَا الحاسوب، فإذا فيهِ نظامُ تشغيلٍ كاملٌ متناسقٌ، وبرامجُ لكلٍّ منها غايةٌ.
كيفَ تُفسِّرُ وجودَ هذهِ البرامِجِ أيُّهَا الملْحِدُ؟
إنْ بَلعْنا أُكْذوبَتَكَ المُضحِكةَ عن الجسمِ الصُّلبِ للحاسوبِ، فكيفَ تُفسِّرُ وجودَ هذا المُحتوَى البرمَجِيِّ على الجهازِ؟
التَّفاعلاتُ الحيويَّةُ الكيميائيَّةُ المجرَّدةُ، والطَّفراتُ العشوائيَّةُ والانتخابُ الطَّبيعيُّ، لو تجاوزْنَا أنَّها لا يمكِنُها خلقُ إنسانٍ، وسلَّمْنا لكُم، وقلْنا: خَلقَتْ إنسانًا وبثَّتْ فيه الحياةَ، هذهِ المعاني العمياءُ كلُّها: مِنْ أينَ لها أنْ تودِعَ في عقلِ هذا الإنسانِ ونفسِه هذهِ الحزمةَ المتناسقةَ الموجَّهةَ؟
وكيف تُفسِّرونَ تكوُّنَ هذهِ الحُزْمةِ هِيَ هِيَ في كلِّ نفْسٍ جديدةٍ تولَدُ؟
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 10 May 2024 - 06min - 37 - رحلة اليقين (2) - الفوائد الستة من أدلة وجود الله للموقن أصلا بوجوده - د. إياد قنيبي
الفائدة الأُولى: تعميق الجذور.
كيف؟ أَليْس الإنسان إما مصدقًا أو شاكًّا أو مُكذِّبًا؟ ألَيْس اليقين تصديقًا جازمًا لا يخالطه شكٌّ؟
بلى ولكن هذا التصديق بِدَوْره على درجات؛ أنتَ حين تُصدِّق بوجود الله تصديقًا جازمًا حاسمًا لا يخالطه شكٌّ، فقد اجتزْت الخطَّ المطلوب أي أفْلَتَّ من جاذبيَّة الشُّكوك والتَّردُّد-، لكنَّ النَّاس بعدَ ذلك يتفاوتون في التَّحليق.
ومن أهمِّ سِقائها التَّفكُّر الذي حثَّ عليه ربُّنا بِقوْله: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ﴾
ومن أعظمِ التفكُّر تأمُّل أدلَّة وجود الله عزَّ وجلَّ ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾
أَدرَك إبراهيم الخليل عليه السَّلام تفاوت مراتب اليقين، وهو من هو في قوَّة يقينه ومع ذلك، أراد أعلى درجاته
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ﴾
أي: لديَّ إيمان ويقين سالم من الشكِّ ﴿وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾
الفائدة الثَّانية: إحسان الظَّنِّ بالله
فطريقتنا في تناول أدلَّة وجود الله تعالى لن تكون جافَّة بل المقصود منها بالإضافة إلى تعميق اليقين بوجوده، هو أيضًا تعميق المحبَّة لله تعالى واليقين بعدْله وحِكْمته ورحمته كُلَّما نظرْتَ في أدلَّة وجود الله، ثُمَّ في أدلَّة صحَّة دينه، تزداد يقينًا برحمته سبحانه أن أقام كُلَّ هذه الشَّواهد، وتقول في نفسك: يا الله، كُلُّ هذه الشواهد! كُلُّ هذه الأدلَّة! ما أرحمك ربِّي بعِبادك!
ستزداد يقينًا بعدل الله تعالى، حين يعاقِب أناسًا كفروا به بعد هذا كلِّه، وتعلَم حقًّا أنَّه ليس للنَّاس على الله حُجَّة بعد هذا كلِّه ولا عُذْر.
الفائدة الثَّالثة: تكوين الدَّافعيَّة
فاليقين بالمفهوم الذي شرَحناه هو قوَّتك الدَّافعة لكُلِّ شيءٍ بعد ذلك، هو المحرِّك الذي بحسب قوَّته تنطلق وتستطيع تجاوُز العقبات، وصعود الجبال.
كُلَّما أحْكمْتَ مسألة اليقين، فإنَّه ليس أمامك إلَّا العمل، والانطلاق بهِمَّة وحيويَّة في طريق الجَنَّة، وتتفجَّر ينابيع طاقاتك المذخورة في خدمة دين الله، والاستقامة على أمره، والدَّعوة إليه بعزْمٍ وثباتٍ ومُثابرة.
كُلَّما سَقيْتَ اليقين تجدَّد النَّشاط وتلاشى الفُتور لذلك فأوَّل وصْفٍ وَصَف الله به المتَّقين في كِتابه الكريم في مَطْلع سورة البقرة: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، الذين يؤمنون بالغيب هذا هو المحرِّك لكلِّ شيء، في حين إذا كان هناك خللٌ في الجذور، فسيسْري الأثَرُ في الثَّمرة.
الفائدة الرَّابعة: الثَّبات والتَّثبيت
فنحن في زمنٍ هو زمن فِتَن، وكم خَلعَتْ هذه الفِتَن أُناسًا من إيمانهم!
واجب المسلم أن يُحصِّن نفْسه، ويَضرِب جذور يقينه في الأرض ليثبُت أمام عواصف الفِتَن، ويُثبِّت مَن حوله.
تأمَّل معي قول ابن تيمية رحِمه الله: "فعامَّة النَّاس إذا أسلموا بعد كُفْرٍ أو وُلِدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهْلِ الطَّاعة لله ورسوله، فهم مسلِمون، ومعهم إيمان مُجْمَل، ولكنَّ دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنَّما يحْصُل شيئًا فشيئًا إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثيرٌ من النَّاس لا يصِلون إلى اليقين، ولا إلى الجهاد، ولو شُكِّكوا لَشكُّوا ولو أُمِروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كُفَّارًا ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدْرأ الرَّيْب".
إذًا، هؤلاء أُناسٌ عندهم إيمانٌ مُجْمَل، لكنَّه ليس عميقًا في نفوسهم، فهُم على خطر.
الفائدة الخامسة: إدراك نعمة الله عليك
وأنت ترى الفرق الكبير بين المؤْمِن بوجود الله، والمنكِر له، تستشعر كما لم تستشعر مِن قبْل معنى كثيرٍ من الآيات:
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ولَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ولَا الظِّلُّ ولَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾
تُدرِك بعمقٍ معنى قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ﴾
تدرِكُه وأنتَ ترى تبِعات إنكار الله، كيف يهوِي صاحبه في مكانٍ سحيقٍ؛ فيزيد ذلك تمسُّكَك بدينك، وانحيازًا له وإدراكًا لنعمة الله عليك.
الفائدة السَّادسة: هي إحياء العِزَّة
مع تأمُّل أدلَّة وجود الله تُحسُّ بالعزَّة والانسجام مع نفسك، وأنت تُظهِر شعائر دينك وتدعو إليه؛ لأنَّك تدرِك أنَّك على الحقِّ المبِين، وأنَّ هذا الذي تُظهرُه، وتدعو إليه، وضعُفَ فيه الآخرون من شعائر دينك، دعوتك، أمْرِك بالمعروف، نهْيِك عن المنكر، أنَّها كلَّها مستنِدَةٌ في الأساس إلى الحقيقة العظمى والعليا، التي لا تتردَّد في صحَّتها لحظة
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 03 May 2024 - 12min - 36 - رحلة اليقين (1) - بناء الدعائم - د. إياد قنيبي
لماذا أنا مسلم؟
ما الَّذي يضمن لي أنَّ الإسلام دين الحقِّ؟
هل محمدٌ رسول الله فعلًا؟
هل القرآن كلام الله فعلًا؟
بل، هل الله موجودٌ فعلًا؟
لماذا يطالَب غير المسلمين بالاطِّلاع على الإسلام، والإيمان به، بينما ليس عليَّ أن أتعلَّم أديانهم؟
لماذا الحدود الإسلامية؟
لماذا الرِّق؟ لماذا الفتوحات؟ لماذا
يوجَد الشَّر؟ لماذا الحروب؟
لماذا الظلم؟ لماذا اختَلف الصَّحابة؟
هل السُّنَّة النَّبوية ثابتةٌ فعلًا؟
هل أنا ملزمٌ باتِّباع السُّنة؟
إذا تعارض الإسلامُ مع العقل، فماذا أفعل؟
أيُّها الأحبّة… سنبدأ اليوم بسلسلةٍ جديدةٍ بعنوان: "رحلةُ اليقين"
لماذا أنا مسلم؟ ما الَّذي يضمن لي أنَّ الإسلام دين الحقِّ؟
هل محمدٌ رسول الله فعلًا؟
هل القرآن كلام الله فعلًا؟ بل، هل الله موجودٌ فعلًا؟
لماذا يطالَب غير المسلمين بالاطِّلاع على الإسلام، والإيمان به، بينما ليس عليَّ أن أتعلَّم أديانهم؟
لماذا الحدود الإسلامية؟ لماذا الرِّق؟ لماذا الفتوحات؟ لماذا يوجَد الشَّر؟ لماذا الحروب؟ لماذا الظلم؟ لماذا اختَلف الصَّحابة؟
هل السُّنَّة النَّبوية ثابتةٌ فعلًا؟ هل أنا ملزمٌ باتِّباع السُّنة؟
إذا تعارض الإسلامُ مع العقل، فماذا أفعل؟
أيُّها الأحبّة، سنبدأ اليوم بسلسلةٍ جديدةٍ بعنوان: (رحلةُ اليقين)
هل سنجيب فـيها عن هذه التَّساؤلات إجاباتٍ مقنعة؟
نعم بإذنِ الله لكن، قبل ذلك لا بُدَّ من ترتيب الأفكار، وبناء الأُسس.
إذا كُنَّا كلَّما طرأ على بالنا تساؤلٌ أوأُلقيت أمامنا شبهةٌ اهتزَّ إيماننا، فإنَّ إيماننا يشبه طاولةً دعائمها هشةٌ ضعيفة، لذا فهذه الطَّاولة يسهل أن تهتزَّ إذا وُضِع عليها حملٌ ولو ضعيف، والَّذي إيمانه كهذه الطَّاولة فإنَّه لا يلبثُ أن يعَالج شبهةً حتَّى يتشوَّش بغيرها، ولن ينعُمَ ببَردِ اليقين، بل وقد تتراكمُ عليه الشُّبُهات حتَّى ينكسر إيمانُه.
لذا فالهدفُ الأوَّل من هذه السِّلسلة: هو بيان الدَّعائم الصَّحيحة الَّتي نستند إليها في إيماننا.
الدَّعائم الثَّابتةِ القويَّة المقنعة.
حينئذٍ، قد تكونُ لدينا تساؤلات، لكنَّ طاولةَ إيمانِنا تتحمَّلُها، وإنَّما نحبُّ معرفة إجابة هذه التَّساؤلات من قبيل: {وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260].
فإن عرفنا، فبها ونعمت، وإن لم نعرف أدخلناها في حيِّّز التَّسليم المستندِ إلى إيمانٍ أَعملْنا فيه عقولنا، وهو موقفٌ عقلانيٌّ صحيح.
ومع التَّسليم التَّعلم، فكلَّما طلب أحدُنا العلم من مصادرِه المناسبة، فإنَّه يُحصِّل إجاباتٍ مقنعةً عن هذه التَّساؤلات، بحيث يتحوَّل التَّساؤل إلى ركيزةٍ جديدةٍ، ترسِّخُ القناعةَ بصحة الإسلام.
كما قال الدُّكتورُ (محمدُ الدَّرَّاز): "فلْيعلموا أنَّ كلَّ شبهةٍ تقام في وجه الحقِّ الواضح، سيُحيلها الحقُّ حجةً لنفسه يضمُّها إلى حججه وبيِّناته"
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 03 May 2024 - 05min - 35 - حُكم وحِكمة (6) - مصادر الفهم الديني مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الشيخ عمر عبد الكافي في هذه الحلقة السادسة من برنامج حكم وحكمة، عن مصادر الفهم الديني في ظل فوضى التجرؤ على الإفتاء ولجوء البعض إلى الشيخ "جوجل" ومجهولي النسب الفقهي للحصول على فتاوى تطال أمور حياتهم ودينهم ودنياهم. ويستكمل الحلقة بحوار مع الدكتور فداء المجذوب الفقيه الأصولي، الذي يتحدث عن أهمية تلقي العلم عبر مجالسة العلماء، ويوجه رسالة هامة إلى شباب وشابات الأمة.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sat, 20 Apr 2024 - 49min - 34 - النبي الإنسان (29) - المقياس - مع الشيخ عمر عبد الكافي
بفعله وقوله وعمله هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقياسا لنا في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Wed, 10 Apr 2024 - 11min - 33 - النبي الإنسان (28) - جبر الخواطر - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة يحدثنا الدكتور عمر عبد الكافي عن جبر الخواطر، وكيف كانت عظمة رسول الله في جبر خواطر الناس.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 08 Apr 2024 - 08min - 32 - النبي الإنسان (27) - ذوي الاحتياجات الخاصة - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة من برنامج النبي الإنسان يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي عن ذوي الاحتياجات الخاصة وكيف كان يتعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم، ورحمته بهم عليه الصلاة والسلام.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sat, 06 Apr 2024 - 09min - 31 - النبي الإنسان (26) - السفر - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يصحبنا الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج النبي الإنسان في رحلة عن آداب السفر، فما هو فقه السفر وما هي آدابه؟ كما علمنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sat, 06 Apr 2024 - 08min - 30 - حُكم وحِكمة (5) - العبودية لله مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج حكم وحكمة عن معنى العبودية لله، ومراتبها ودرجاتها، والمجالات التي تتحقق فيها، وعن سبل الارتقاء في التعبد لله تعالى، والموازنة بين مفهومي الحرية والعبودية في الإسلام.
ويكمل الشيخ اللقاء مع الدكتور محمد راتب النابلسي الذي يقدم ومضات وتفصيلات عن معاني العبودية، وثمارها في حياة المسلم.Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 05 Apr 2024 - 52min - 29 - النبي الإنسان (25) - التنظيم الإداري - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن التنظيم الإداري، والمنهج النبوي في الإدارة. وكيف يمكن للمسلم أن يدير حياته وفق منهج النبي.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 05 Apr 2024 - 09min - 28 - النبي الإنسان (24) - التنظيم المالي - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن التنظيم المالي، ومنهج النبي في الإدارة المالية. وكيف ندير أموالنا وفق المنهج النبوي.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 05 Apr 2024 - 08min - 27 - النبي الإنسان (23) - الأمر بالمعروف - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يحدثنا الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف تمثلت عظمة النبي ورحمته في دعوة الناس إلى الخير بالمعروف.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 05 Apr 2024 - 11min - 26 - النبي الإنسان (22) - العادات - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي عن العادات والتقاليد وكيف تعامل معها الرسول صلى الله عليه وسلم.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Tue, 02 Apr 2024 - 07min - 25 - النبي الإنسان (21) - العصبية - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي عن "التعصب" ولماذا حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Tue, 02 Apr 2024 - 08min - 24 - النبي الإنسان (20) - إصلاح ذات البين - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يصطحبنا الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة إلى بيت رسول الله، وكيف كان يصلح بين علي وفاطمة، ليدلنا على طريق إصلاح ذات البين بين المتخاصمين على طريقته.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Tue, 02 Apr 2024 - 09min - 23 - النبي الإنسان (19) - النساء - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة يتحدث الشيخ عمر عبد الكافي عن المرأة، وكيف تعامل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع نسائه لنقتدي به في حياتنا.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Tue, 02 Apr 2024 - 09min - 22 - حُكم وحِكمة (4) - مهمة الإنسان في الأرض مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج حكم وحكمة عن مهمة الإنسان في الأرض، والغاية التي خلقه الله سبحانه وتعالى من أجلها، وكيف يمكن لنا نحن المسلمين أن نحقق معاني الاستخلاف في الأرض وعمارتها كما أراد الله، وطرق تحقيق هذه الغاية الكبرى.
ويكمل الشيخ النقاش مع الدكتور عبد الحي يوسف الذي يتحدث عن المعاني التي يجب على المسلم أن يستشعرها عن أسباب وجوده في الحياة، وكيفية سعيه إلى تحقيق مراد الله في الأرض.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 01 Apr 2024 - 1h 00min - 21 - النبي الإنسان (18) - كبار السن - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة يحدثنا الدكتور عمر عبد الكافي عن تعامل النبي الرقيق مع كبار السن، واهتمامه بمشاعرهم، ووصاياه للمسلمين تجاههم.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 28 Mar 2024 - 07min - 20 - النبي الإنسان (17) - النوابغ - مع الشيخ عمر عبد الكافي
كيف كان النبي يتعامل مع النابغين من صحابته؟
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 28 Mar 2024 - 06min - 19 - النبي الإنسان (16) - المنافقون - مع الشيخ عمر عبد الكافي
كيف تعامل النبي مع المنافقين؟
في هذه الحلقة يتحدث الشيخ عمر عبد الكافي عن المنافقين، وكيف كان يتعامل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم معهم
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 28 Mar 2024 - 10min - 18 - النبي الإنسان (15) - المحاربون - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في زمان يأكل فيه القوى الضعيف، ولا اعتراف بقوانين أو إنسانية،
ًكيف كانت وصايا رسول الله في الحرب قبل أكثر من 1400 عامًا؟
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Thu, 28 Mar 2024 - 09min - 17 - النبي الإنسان (14) - المسالمون - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المسالمين، وكيف استطاع عليه الصلاة والسلام كسب قلوب الناس بالرفق واللين والصبر.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 24 Mar 2024 - 10min - 16 - النبي الإنسان (13) - الجار - مع الشيخ عمر عبد الكافي
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الجار، وهو الذي أوصاه جبريل عليه السلام بالجار حتى ظن أنه سيورثه، لكن ماذا قدمنا نحن لجيراننا من أهل غزة في اختبار الجيرة هذا؟
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 24 Mar 2024 - 08min - 15 - النبي الإنسان (12) - حزن النبي - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي عن حزن النبي، وكيف كان يتعامل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنقتدي به في حياتنا ومصابنا.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 24 Mar 2024 - 09min - 14 - النبي الإنسان (11) - الأطفال - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يلاعب الحسن، ويقبّل الحسين، ويقدّم طفلًا على أشياخ مكة، ويواسي آخر في عصفوره.
يصحبنا الدكتورعمرعبدالكافي في هذه الحلقة من برنامج النبي الإنسان، مع حياة رسول الله مع الأطفال، وكيف كان الرسول أول من وضع قانونًا يضمن حقوقهم، ورسم بسيرته منهجًا للرفق بهم.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 24 Mar 2024 - 08min - 13 - حُكم وحِكمة (3) - الصبر والإبتلاء مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة الثالثة من برنامج "حُكم وحِكمة" يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي عن الصبر والابتلاء. وحكمة الله سبحانه وتعالى في ابتلاء عباده. ويتحدث عن أسباب نزول البلاء بالمسلمين. وهل يمكن أن يكون البلاء نعمة للعبد؟. وأهمية الصبر عند الابتلاء. وينضم إلى الحلقة الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف، الذي يكمل مع الشيخ الحديث عن درجات الناس في التعامل مع الابتلاء.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 22 Mar 2024 - 47min - 12 - النبي الإنسان (10) - الأب - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن الرسول الأب، وكيف كان يتعامل صلى الله عليه وسلم مع أبنائه وأحفاده. ويستعرض الدروس والعبر من بعض مواقفه عليه الصلاة والسلام التي يحتاج المسلمون إلى الاقتداء بها في زماننا.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Wed, 20 Mar 2024 - 11min - 11 - النبي الإنسان (9) - الزوج - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن كيفية تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم كزوج مع أزواجه أمهات المؤمنين، وعن أبرز الدروس والعبر التي يمكن للمسلمين الاقتداء بها في التعامل مع أزواجهم.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Wed, 20 Mar 2024 - 08min - 10 - النبي الإنسان (8) - الفرح - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن الفرح في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستعرض مواقف فرح فيها نبي الله لهداية الناس وتوبتهم. وأن فرحته عليه الصلاة والسلام كانت لدين الله فقط.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 18 Mar 2024 - 08min - 9 - النبي الإنسان (7) - التواضع - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن خلق التواضع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستعرض عددا من المواقف التي برز فيها تواضعه عليه الصلاة والسلام. ويتحدث الشيخ أيضًا عن نصائح يقدمها إلى من يريد التخلق بهذا الخلق الحميد.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Mon, 18 Mar 2024 - 09min - 8 - النبي الإنسان (6) - الرحمة - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن الرحمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكيف مثّلت أفعاله وأقواله قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".
ويتحدث الشيخ كيف أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم شملت الموتى، والعمالة المنزلية، والمسلمين الذين جاؤوا من بعده، والبيئة أيضا.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 17 Mar 2024 - 09min - 7 - النبي الإنسان (5) - مفاتيح الأصدقاء - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن مفاتيح الأصدقاء، وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن معرفة مفاتيح شخصيات أصحابه وسماتها، ويحسن توظيفهم والتعامل معهم بحسب طبيعة شخصية كل واحد منهم.
ويحكي الشيخ عن كيفية تبدل حال أبي سفيان وقت فتح مكة عندما تحدث عنه رسول الله بما يتناسب مع شخصيته.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Sun, 17 Mar 2024 - 09min - 6 - حُكم وحِكمة (2) - فلسطين والمسجد الأقصى - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة من برنامج "حكم وحكمة" يتحدث الشيخ عمر عبد الكافي عن الدور الحيوي الذي يمكن أن يؤديه الشباب في دعم القضية الفلسطينية،
ويناقش مع الدكتور عبد الله معروف، الباحث في علوم القدس، أبعاد النضال الفلسطيني، وكيف ينظر الغرب إلى هذه القضية.
انضموا إلينا لفهم أعمق، ونقاش مستنير يتناول فلسطين والمسجد الأقصى.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 15 Mar 2024 - 48min - 5 - النبي الإنسان (4) - ماذا كان يكره؟ - مع الشيخ عمر عبد الكافي
يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" عن الأشياء والأفعال التي كان يكرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من القيل والقال، إلى إضاعة المال، وكثرة الشكوى والسؤال، وغير ذلك.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 15 Mar 2024 - 08min - 4 - النبي الإنسان (3) - ماذا كان يحب؟ - مع الشيخ عمر عبد الكافي
في هذه الحلقة من برنامج "النبي الإنسان" يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي عن الأشخاص والأشياء والمواقف التي كان يحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم. من الفأل الحسن والأخلاق الحميدة إلى حبه صلى الله عليه وسلم لهداية الناس، وحبه لكل جميل من العطور والهدايا. كما يتحدث الشيخ عن حب الجمادات للنبي وحنينها إليه.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 15 Mar 2024 - 08min - 3 - النبي الإنسان (2) - الأسرة المسلمة - مع الشيخ عمر عبد الكافي
كيف نبني أسرة مسلمة على منهاج النبوة؟
حلقة جديدة من برنامج "النبي الإنسان" مع الدكتور عمر عبد الكافي
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 15 Mar 2024 - 07min - 2 - النبي الإنسان (1) - صلة الرحم - مع الشيخ عمر عبد الكافي
هل صلة الرحم واجبة؟ يتحدث الدكتور عمر عبد الكافي عن موضوع صلة الرحم في الحلقة الأولى من برنامج "النبي الإنسان".
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 15 Mar 2024 - 08min - 1 - حُكم وحِكمة (1) - استقبال رمضان مع الشيخ عمر عبد الكافي
كيف نستعد لاستقبال شهر رمضان؟ وكيف نستفيد من خيراته؟ رحلة إيمانية يصحبنا فيها الشيخ عمر عبد الكافي في الحلقة الأولى من برنامج "حُكم وحِكمة"، فيسلط الضوء على أهم الدروس التي يجب علينا تعلمها في هذا الشهر الكريم، وأبرز المعاني الواجب استشعارها، بصحبة عدد من الشباب الذين يطرحون أسئلتهم وما يدور في أذهانهم على الشيخ.ويكمل الشيخ عمر عبد الكافي الحلقة أيضًا مع الشيخ محمد راتب النابلسي 🎙 الذي يحدثنا عن روحانيات شهر رمضان، وكيف يتحقق للمسلم قبول العمل الصالح.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
Fri, 15 Mar 2024 - 46min
Podcast simili a <nome>
- 8 Hour Binaural Beats 8 Hour Sleep Music
- La Venganza Será Terrible (oficial) Alejandro Dolina
- Aprender de Grandes Aprender de Grandes
- Superscoreboard Bauer Media
- Deportes COPE COPE
- Dante Gebel Live Dante Gebel
- MÚSICA DE LOS 80'S🎶🎙️😎 Eva Sthefany Guadarrama
- La ContraHistoria Fernando Díaz Villanueva
- History Extra podcast Immediate Media
- Palabra Plena, con Gabriel Rolón Infobae
- Venganzas del Pasado Juan Schwindt
- Carlos Pagni en Odisea Argentina LA NACION
- Luis Novaresio en +Entrevistas LA NACION
- Libros para Emprendedores Luis Ramos
- Metafísica Activa Metafísica Activa
- Claudio Zuchovicki en Neura Neura
- Radio Baladas Viejitas Románticas Oscar Canto
- LOS COMICOS AMBULANTES Pirata Podcast
- Audiolibros Por qué leer Por qué leer
- The Night Train® Powlo & Herb Stevens
- Cuentos de medianoche Radio Nacional Argentina
- Historias de nuestra historia Radio Nacional Argentina
- TED en Español TED
- Cafe con Victor Victor Abarca