Filtrer par genre

سَرْدِيات مَنْسِيَّة

سَرْدِيات مَنْسِيَّة

عمر الكاتب

عِنْد الاطِّلاع على السَّرْديَّات التَّاريخيَّة نَكتَشِف أَنهَا حتْمًا نَتجَت عن صِرَاع حادٍّ بَيْن اَلعدِيد مِن الأطْراف المخْتلفة ، سعى اَلعدِيد مِن تِلْك الأطْراف إِلى إِثبَات سرْديَّات تاريخيَّة تَتَناسَب مع حَجْم تطلُّعاتهم ، وحجْم النُّفوذ السَّاعييْنِ إِلَيه . وَمِن هُنَا حابيْن إِنَّنا نَحكِي عن مَجمُوعة مِن السَّرْديَّات السَّاقطة مِن التَّاريخ فِي مُحَاولَة لِلْإجابة عن اَلكثِير مِن التَّضاربات والتَّناقضات .

10 - ثورة المكابيين
0:00 / 0:00
1x
  • 10 - ثورة المكابيين

    مرحبًا بكم أعزائي المستمعين مع حلقة جديدة من بودكاست "سرديات منسية"، البودكاست الذي يأخذكم في رحلة شيقة عبر صفحات التاريخ المنسية. معكم صديقكم عمر الكاتب.


    هل سمعتم من قبل عن ثورة المكابيين؟ تلك الثورة اليهودية الأسطورية ضد الاحتلال اليوناني التي قلبت موازين المنطقة. قصة مثيرة مليئة بالبطولات والتضحيات والدماء، لكنها أيضًا حافلة بالمفاجآت والمنعطفات الصادمة.


    تخيلوا معي شعبًا ثار من أجل حريته وعقيدته، فلما انتصر تحول بدوره إلى طاغية يفرض دينه على الآخرين بالقوة والإبادة! شعبًا تمزقه الصراعات الداخلية رغم وحدة العدو الخارجي!


    هذه هي قصة المكابيين والصراع الدامي الذي أشعلوه، والذي غيّر وجه اليهودية والمنطقة بأسرها إلى الأبد. فإلى أين وصلت تلك الثورة؟ وكيف انتهى المكابيون؟ تابعونا في هذه الحلقة المثيرة من سرديات منسية.


    في القرن الثاني قبل الميلاد، كانت فلسطين واقعة تحت الاحتلال اليوناني السلوقي الذي حاول فرض الثقافة الهيلينية والوثنية على اليهود. فهبّ الكاهن متتيا الحشموني وأبناؤه الخمسة ومعهم جماعة من اليهود المتشددين دينيًا المعروفين بالحسيديين (الأتقياء) وأشعلوا ثورة عارمة ضد السلوقيين.


    استطاع المكابيون بقيادة يهوذا المكابي تحقيق انتصارات كبيرة على الجيوش السلوقية المتفوقة عددًا وعُدة. واستعادوا السيطرة على أورشليم وطهّروا الهيكل من أصنام الوثنيين. صمدوا في وجه حملات عسكرية ضخمة وألحقوا بها هزائم نكراء. فتحولوا إلى أسطورة يهودية خالدة.


    لكن ما أن استتب الأمر للمكابيين، حتى بدأت أطماعهم التوسعية تظهر للعلن. فشرعوا في مهاجمة المناطق المجاورة بحجج واهية. أسرفوا في القتل والتدمير وأحرقوا مدنًا بأكملها وقتلوا وشردوا عشرات الآلاف من السكان. زحفوا شمالًا إلى الجليل وشرقًا إلى عبر الأردن وجنوبًا إلى أدوم. حولوا انتفاضة التحرير إلى حرب عدوانية لا تشبع من القتل والنهب.


    بعد وفاة يهوذا المكابي، تولى قيادة الثورة إخوته يوناثان ثم سمعان، واتبعوا ذات النهج العدواني. أجبروا الشعوب المغلوبة على اعتناق اليهودية بحد السيف في أول عملية تهويد قسري واسعة النطاق في التاريخ. فرضوا الجزية والتبعية على العرب والأدوميين. اغتصبوا مُلك الكهنوت رغم أنهم ليسوا من نسل هارون. تحولوا إلى ملوك طغاة يزيحون بعضهم البعض بالقوة والاغتيال.


    لكن الخطر الأكبر كان يتفاقم داخل المجتمع اليهودي نفسه. إذ ظهر صراع محتدم بين فرقتين رئيسيتين هما الفريسيون والصدوقيون، اختلفتا في كثير من الأصول العقائدية والرؤى السياسية. مثّل الفريسيون التيار المحافظ المتشدد دينيًا الذي يتمسك بحرفية النصوص ويرفض أي تطور أو انفتاح. بينما نادى الصدوقيون بالانفتاح والتعايش مع الحضارات الأخرى وتأويل النصوص بما يتوافق مع العقل ومستجدات العصر.


    تطور الصراع بين الطرفين بشكل دموي، وامتزج بالتنافس السياسي على السلطة والنفوذ. فتصارع الأخوة والأبناء والأحفاد من نسل المكابيين بعضهم مع بعض. يغتال الأخ أخاه ويسجن الابن أمه ويذبح الملك خصومه بلا رحمة. وصلت الفظائع حدًا لم يسبق له مثيل من الوحشية والهمجية.


    سقط اليهود فريسة الاحتلال الروماني بعد استنزاف قواهم بالحروب الداخلية. دمر الرومان الهيكل عام 70م في ضربة قاصمة للمكابيين وأنصارهم. قُتل مئات الآلاف وسُبي الكثيرون وهُجّر من بقي. ومع سقوط أورشليم، اختفت فرقة الصدوقيين من المشهد تمامًا، وتفرّد الفريسيون بالهيمنة على الحياة اليهودية لقرون طويلة.


    بقيت فلول المكابيين وأتباعهم تقاوم الرومان بشراسة، لكن دون جدوى. تحصنوا في قلعة مسعدة، واستمروا بالقتال حتى آخر رجل وآخر طفل. في النهاية، فضلوا الانتحار الجماعي على الاستسلام، فقتلوا نساءهم وذبحوا أطفالهم ثم قتلوا أنفسهم. كانت نهاية مأساوية لثورة بدأت من أجل الحرية، لكنها انتهت إلى التعصب والاستبداد والفناء.


    هكذا انتهت ثورة المكابيين التي هزت أركان المنطقة لعقود. ثورة بدأت باسم التحرير، فإذا بها تتحول إلى وحش يلتهم أبناءه. تحولت من انتفاضة ضد الظلم إلى آلة قهر وإبادة لا ترحم. فتنازع زعماؤها فيما بينهم حتى أهلكوا بعضهم وأهلكوا شعبهم.


    العبرة هنا واضحة يا أصدقاء، فالتعصب والتطرف والإكراه لا تولّد إلا مزيدًا من العنف والدمار. مهما كانت نوايانا حسنة ومظلوميتنا فادحة، فإن الغلو يفسد كل شيء. المكابيون لم يحافظوا على مكتسبات نضالهم المشروع، لأنهم شوهوه بالفظائع التي ارتكبوها. فبدل أن يكونوا قدوة للأحرار والثوار، صاروا عبرة للطغاة والمجرمين.


    Fri, 12 Apr 2024 - 06min
  • 9 - ماذا حدث في مكة ؟

    انضموا الي قناتنا في التيليجرام

    https://t.me/+bpnJrU3MRAtiODdk


    أهلًا وسهلًا بِكم أعِزّائي المُستمعين في حَلقة جَديدة مِن بودكاست "سرديّات منسيّة"، أنا مُضيفكم عُمر الكاتِب.

     

    في هذِه الحَلقة، سنغوصُ في أعماقِ الأحداثِ التاريخيّة التي شكّلت الأساسَ لِظهور النَص الإسلاميّ، وسنكشِفُ عَن حقيقةٍ صادمةٍ ومُثيرة: أنَّ ما حدَثَ في مكّة لَم يكُن نتيجةً لظروفِها المحليّة، بل كانَ ثمرةً لصراعاتٍ وتحوّلاتٍ إقليميّةٍ شهِدَتها منطقةُ الشرقِ الأدنى على مَدى قرونٍ طويلة.

     

    لقد عانَى الشعبُ اليهوديُّ مِن مآسٍ ونكباتٍ كُبرى عبرَ تاريخِه المُضطرب والدامي. بدأت مأساتُهم حينَ اجتاحتِ الجيوشُ الآشوريّةُ مملكةَ إسرائيلَ في القرنِ الثامنِ قبلَ الميلاد، وسبَت الآلافَ منهم. ثمّ جاءَ البابليّون ليُدمّروا مملكةَ يهوذا في القرنِ السادسِ قبل الميلاد، ويحرقوا هيكلَ سليمان، ويقتلوا ويطرُدوا الآلافَ مِن اليهود. وهيَ أحداثٌ أليمةٌ تركَت نُدوبًا عميقةً في ذاكرةِ هذا الشعبِ ووجدانِه.

     

    وبعدَ أن عادَ اليهودُ مِن منفاهُم في بابِل بقرنٍ تقريبًا، وحاولوا إنشاءَ كيانٍ لهُم مِن جديدٍ في فِلسطين، إذ ظهرَ الإسكندرُ المقدونيُّ على مسرحِ الأحداث، وقادَ جيوشَه لفتحِ بلادِ الشام عامَ 332 قبل الميلاد، فسارعَ اليهودُ إلى استقبالِه بحفاوةٍ بالغة، وأظهروا الولاءَ والإخلاصَ له، ليضمنوا رضاهُ وعطفَه عليهِم. بل إنَّ الإسكندرَ نفسَه - بحسبِ الروايةِ اليهوديّة - سجدَ أمامَ رئيسِ الأحبار، وقدّمَ القرابينَ في الهيكلِ المقدّس. وهوَ ما يُفسّرُ سببَ تمجيدِ القرآنِ له لاحقًا باعتبارِه نبيًّا مؤيّدًا مِن اللهِ بالمُلكِ والسُلطان!

     

    ولكن ما إن توفّيَ الإسكندرُ حتّى تصارعَ خلفاؤُه على تقسيمِ الإمبراطوريّة فيما بينَهم، فوقعَت فِلسطينُ فريسةً للتنازُعِ بينَ البِطالمةِ في مِصرَ والسلوقيّينَ في سوريا، إلى أن حسمَ الأخيرونَ المعركةَ لصالحِهم أخيرًا، ليبدأَ بذلِك عهدٌ جديدٌ مِن المِحنِ والاضطهادِ لليهودِ وشريعتِهم في ظِلّ الحُكم الوثنيّ.

     

    وقد بلغتِ الأزمةُ ذُروتَها في عهدِ الملِكِ السلوقيّ أنطيوخُس الرابع (175 - 164 قبل الميلاد)، الذي أصدرَ مراسيمَ تحظرُ ممارسةَ الشريعةِ اليهوديّة، وتفرِضُ أحكامَ الوثنيّةِ الإغريقيّة بالقوّة. فقامَ الكاهنُ اليهوديُّ "متتيا" وأبناؤُه الخمسةُ بتنظيمِ حركةِ تمرّدٍ شعبيّة، بشعارِ تطبيقِ شريعةِ اللهِ وطردِ المحتلّينَ الكفرةِ مِن أرضِ إسرائيلَ المقدّسة. وهوَ ما يذكّرُنا بالنموذجِ المحمّديّ فيما بعد!

     

    لقد رفعَ المتمرّدونَ شعاراتِ الجهادِ في سبيلِ الله، وإقامةِ شرعِ الله، وشكّلوا مجموعاتٍ جهاديّةً لهدمِ معابدِ المشركين، وقتلِ المرتدّين، وفرضِ الختانِ والشرائعِ بالقهرِ والسيف. حتّى صارَت حركتُهم بقيادةِ يهوذا المكابيّ قوّةً ضاربةً، تُلحقُ الهزيمةَ بجيوشِ الأعداء، وتحرّرُ المعبدَ، وتؤسّسُ أوّلَ كيانٍ مستقلٍّ لليهودِ منذُ قرون. قصّةٌ أشبهُ ما تكونُ بمشاهدِ الهجرةِ النبويّةِ والفتوحاتِ الإسلاميّةِ الأولى!

     

    ولم تكتفِ عصاباتُ المكابيّينَ بالنصرِ على السلوقيّين، بل اندفعَت نحوَ التوسّعِ وغزوِ الشعوبِ المجاورة، مِن عموريّينَ وأدوميّينَ وغيرِهم، بحجّةِ أنّهم وثنيّونَ يحتلّونَ أرضَ الميعادِ الموعودةَ لبني إسرائيل. لتتكرّرَ بذلِك ذاتُ الأنماطِ والشعاراتِ التي سنشهدُها لاحقًا معَ ظهورِ الإسلامِ الأوّل.

     

    مِن وقائعِ وأحداثِ هذِه الحروبِ والاضطهاداتِ المريرة، نشأَت في المجتمعِ اليهوديّ ثقافةُ المظلوميّة، وشعاراتُ المقاومةِ باسمِ الدين، وتقديسِ الشهادةِ، واحتقارِ الحياةِ الدنيا، والجهادِ ضدَّ الكفرِ والردّة، والطموحِ لإقامةِ إمبراطوريّةٍ مقدّسة، باعتبارِها ميراثَ اللهِ لشعبِه المختار. وهيَ كلّها أفكارٌ ومصطلحاتٌ ستجِدُ لها صدًى قويًّا في النصوصِ والمفاهيمِ الإسلاميّةِ فيما بعد.

     

    ومِمّا سيثيرُ دهشتَكم واستغرابَكم حقًّا، أنَّ العديدَ مِن الآياتِ والعباراتِ القرآنيّةِ المشهورة، كانَت قد وردَت حرفيًّا في الأدبيّاتِ والمخطوطاتِ اليهوديّةِ التي تصِفُ تلكَ الحروبَ القديمة. فمِن أينَ أتَت إذَن تعابيرُ "الذينَ يجاهدونَ في سبيلِنا"، و"حرّضِ المؤمنينَ علَى القتالِ"، و"ولا تحسبنَّ الذينَ قتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا".. وغيرُها الكثير؟

     

    فهَل كانَ ظهورُ الإسلامِ في شبهِ الجزيرةِ العربيّة، مجرّدَ تكرارٍ لذاتِ السيناريو والنمطِ الذي شهدَه اليهودُ قبلُ؟ وهل كانَ محمّدٌ بدورِه ثمرةً لظروفٍ وصراعاتٍ إقليميّة، لا تقلُّ تعقيدًا وضراوةً عمّا عاشَه المكابيّونَ قبلَ ذلك؟

     

    حقًّا، قد يصعبُ علَى الكثيرينَ استيعابُ هذا الربطِ والتشابُه. ولكنَّ الأدلّةَ والوقائعَ تدفعُنا لطرحِ هذِه الأسئلةِ بجرأة، والتنقيبِ بمزيدٍ مِن العمقِ في جذورِ الصراعِ الكامنةِ خلفَ النصِّ الدينيّ.

     

    وإذا كانَ هناكَ دَرسٌ يمكنُ استخلاصُه مِن هذِه الرحلةِ عبرَ التاريخِ الخفيِّ والمنسيّ، فهوَ أنَّ الدينَ لا ينفكُّ أن يكونَ انعكاسًا للصراعِ السياسيِّ والحضاريِّ القائم، وأنَّه ما مِن نصٍّ مقدّسٍ أو كِتابٍ سماويٍّ إلّا وهوَ وليدُ بيئتِه التاريخيّةِ وظروفِها الموضوعيّة، مهما ادّعَى البعضُ قدسيّتَه وفوقيّتَه علَى الزمانِ والمكان.

     

    وعلَى سبيلِ المثال، لا يمكنُ فهمُ الفكرِ والمشروعِ الصليبيِّ في العصورِ الوسطى، دونَ استحضارِ الصراعِ الذي دارَ بينَ الإمبراطوريّةِ البيزنطيّةِ الأرثوذكسيّةِ، والكنيسةِ اللاتينيّةِ الكاثوليكيّة. حيثُ تبنّتِ الأخيرةُ حركةَ الغزوِ الصليبيِّ المقدَّس، كوسيلةٍ لفرضِ نفوذِها وسيطرتِها علَى مقدّساتِ وثرواتِ الشرقِ المسيحيّ، باسمِ الدينِ وشعاراتِ تخليصِ بيتِ المقدسِ والقبرِ المقدّسِ مِن أيدي الكفّار!

     

    وبالمِثل، لا يمكنُ فهمُ نشأةِ السلفيّةِ الوهابيّةِ في شبهِ الجزيرةِ العربيّة، بمعزلٍ عن صِراعِها معَ الإمبراطوريّةِ العثمانيّةِ الواهنةِ في القرنِ الثامنِ عشر، والتنافسِ معها على رايةِ الإسلامِ والخلافة، والسعيِ لإقامةِ كيان

     

    Fri, 05 Apr 2024 - 06min
  • 8 - تمهيد

    انضم الي قناتنا علي التيليجرام

    https://t.me/+bpnJrU3MRAtiODdk


    نص الحلقة

    مرحبًا بكم مستمعي بودكاست "سرديات منسية"، أنا مضيفكم عمر الكاتب.


    في حلقة اليوم، سأصحبكم في رحلة شيقة عبر كتاب "تلمود العرب أو تلمود بني إسماعيل"، الذي يكشف حقائق مثيرة ظلت مخفية وراء ستار ما يسمى بـ "التاريخ المقدس"، والذي أمضيت 19 عامًا في البحث والتنقيب لتأليفه.


    صحيح أن العديد من الباحثين تناولوا التراث الإسلامي بالدراسة من قبل، وأضافوا بعض المعارف الجديدة، لكن ظلت هناك الكثير من الإشكاليات العالقة دون إجابات شافية. والسبب أن أصحاب هذا التراث يصرون على حجب حقائق جوهرية عن واقع جزيرة العرب السياسي والاجتماعي والثقافي قبل ظهور الإسلام وأثناءه، لأن الكشف عن تلك الحقائق سوف يقوض تمامًا الرواية التقليدية التي يتبنونها.


    لذلك قررت اتباع منهج مختلف في كتابي، يقوم على إعادة التراث الإسلامي إلى سياقه التاريخي الحقيقي، بعيدًا عن الأساطير والأوهام والتزوير، ويسعى لتحديد أطراف الصراع الرئيسيين وأهدافهم ودوافعهم الحقيقية، حتى يتسنى لنا تحليل النصوص المؤسِسة بعمق وموضوعية، وفهم مغزاها ومراميها، والإجابة عن عشرات الأسئلة الصعبة التي ظلت بلا ردود منطقية.


    ومن أول الأمور التي تلفت الانتباه، خلو القرآن تمامًا من أي دعوة صريحة للعرب لاعتناق الإسلام، في حين نجده يركز بشكل لافت على بني إسرائيل ويخاطبهم، رغم أن ثقافتهم اليهودية تناقض جذريًا ثقافة ومعتقدات عرب شمال الجزيرة، الذين استسلموا لمحمد في النهاية خوفًا وقهرًا لا إيمانًا وقناعةً.


    وبالعودة إلى كتب السيرة والتاريخ، نعثر - رغم قلتها وتشويهها - على شواهد نادرة تلقي الضوء على حقائق شديدة الأهمية، مثل الدور المحوري الذي لعبته مملكة حمير اليهودية في اليمن، ونفوذها الواسع على شبه الجزيرة العربية قاطبة، ومعاداتها الشرسة للمسيحية التي كانت الإمبراطورية البيزنطية تحاول نشرها آنذاك، مما أدى إلى صراع ساخن بين ثلاثة أطراف: الفرس، والروم، ومملكة يهود اليمن.


    وقد أفرز هذا الصراع المحتدم أوضاعًا جديدة، هيأت الفرصة لإعادة إحياء المشروع الذي خطط له الملك اليهودي يوسف ذو نواس من قبل، وهو الاستيلاء على شمال شبه الجزيرة العربية وضمه لمملكته، لكن مخططه تعثر بسبب التدخل العسكري للأحباش المسيحيين ضده.


    والكثير من القرائن والأدلة تؤكد أن الثقافة والأفكار التي جاء بها محمد في دعوته، ليست وليدة بيئته المكية المحلية، بل هي في الواقع موروثة عن ظروف تاريخية وحضارية سابقة، نشأت في جنوب شبه الجزيرة، ثم امتدت تأثيراتها شمالاً، وهي تتطابق بدرجة كبيرة مع الثقافة اليهودية المعاصرة، وعلى الأخص مع التوراة الشفوية أو التلمود. غير أن المصادر الإسلامية التقليدية تعمدت طمس هذه الحقائق وتشويه معالمها.


    والأغرب من ذلك أن نصوص القرآن نفسه تقول بصريح العبارة: إنها لم تنزل لهداية العرب الوثنيين الذين نعتتهم بالمشركين ضلالاً وفسقًا وكفرًا وظلمًا، مؤكدة أن الله لن يهديهم، بينما تعلن أنها جاءت لتبين لبني إسرائيل ما اختلفوا فيه، وتحيل الناس إلى "أهل الذِّكر" ليستفسروا منهم عما يجهلون. وهذا يثير تساؤلات عميقة حول مفهوم التوراة والكتاب واليهود في القرآن، وطبيعة العلاقة بين محمد وقريش ويثرب، وماهية الأوس والخزرج ودورهم، وسر تضارب النصوص بهذا الشكل.


    كل هذه القضايا الجوهرية وغيرها، لم تنل حظها من الدراسة الجادة حتى اليوم. وأنا أسعى في كتابي للإجابة عليها بكل موضوعية وحياد، مهما كانت الحقائق صادمة أو مؤلمة للبعض، بعد رحلة بحث وتنقيب دامت 19 عامًا، بهدف صياغة رؤية مستقبلية جديدة، ترتكز على أسس واقعية صلبة، بعيدًا عن خرافات التراث المقدسة التي يحظر الاقتراب منها أو مجرد التفكير في مساءلتها.


    أشكركم جزيل الشكر على حسن استماعكم ومتابعتكم. لا تنسوا الاشتراك في قناتنا على تليجرام، ومشاركة الحلقة مع أصدقائكم، كي تعم الفائدة. ويسعدني تلقي أسئلتكم واقتراحاتكم على قنوات التواصل الخاصة بالبودكاست.


    أترككم الآن في رعاية الله، على أمل أن نلتقي قريبًا في حلقة جديدة، حافلة بالكثير من الوقائع المثيرة والصادمة، التي ستلقي الضوء على جوانب مهمة وحاسمة من تاريخنا المنسي. إلى اللقاء.



    Thu, 04 Apr 2024 - 04min
  • 7 - آخر الشخصيات الهامة عبدالمطلب وعلاقته بالملك اليهودي

    ما علاقة جد النبي بالملك اليهودي في اليمن ؟

    Thu, 16 Feb 2023 - 32min
  • 6 - ثلاث شخصيات هامة هاشم والقتال اليهودي اليهودي - يتبع

    شخصيات هامة في التاريخ تم اسقاطها عمدا سهوا دعنا نعرف

    Thu, 09 Feb 2023 - 27min
Afficher plus d'épisodes